والثاني ذم الجهل ومدح العقل والعلم فإن شرف العقل مدرك بضرورة العقل والعلم والحسن حتى إن أكبر الحيوانات شخصاً وأقواها أبداً إذا رأى الإنسان احتشمه وخاف منه لإحساسه بأنه مستول عليه بحيلته وأقرب الناس لي يا أرجة بهائم أجلاف العرب والترك تراهم بالطبع يبالغون في توقير شيوخهم لأن التجربة دميزتهم عنهم بمزيد علم ولذلك روى في الأثر الشيخ في قوله كالنبي في أمته نظراً إلى قوة علمه وعقله لا بقوة شخصه وجماله وشوكته وثروته.
وفي المثنوي :
كشتى بي لنكر آمد مردشر
كه زباد كنيابد او حذر
لنكر عقلست عاقل را امان
لنكرى دريوزه كن از عاقلان
قال بعض الكبار العاقل كلامه وراء قلبه فإذا أراد أن يتكلم به أمره على قلبه فينظر فيه فإن كان له أي لنفعه أمضاه وإن كان عليه أي لضره أمسكه والأحمق كلامه على طرف لسانه وعقله في حجره إذا قام سقط قال أمير المؤمنين علي رضي الله عنه : لسان العاقل في قلبه وقلب الأحمق في فمه والأدب صورة العقل ولا شرف مع سوء الأدب ولاداء اعيى من الجهل وإذا تم العقل نقص الكلام :
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٦١
هركرا اندكست مايه عقل
بيهده كفتنش بودسيار
مردوا عقل ون بيفزايد
درمجامع بكاهدش كفتار
وفي الحديث كل كلام ابن آدم عليه لا له إلا أمراً بمعروف أو نهياً عن منكر وفي حديث آخر وهل يكب الناس على مناخرهم في النار إلا حصائد ألسنتهم.
والثالث ما قال بعض الكار
٦٩
تدبر سر قوله تعالى ولو أنهم صبروا الآية ولا تنظر إلى سبب النزول وانتظر خروجه مرة ثانية لقيام الساعة وفتح باب الشفاعة في هذه الدار نوماً أو يقظة في الآخرة وهو الشافع فيهما وفي الحافرة وقد ثبت أن الناس يلتجئون يوم القيامة إلى الأنبياء ثم وثم إلى أن يصلوا إليه فلا يصلون إلى المراد إلا عنده وفي الحديث أنا أول ولد آدم خروجاً إذا بعثوا وأنا قائدهم إذا وفدوا وخطيهم إذا أنصتوا وأنا مبشرهم إذا إبلسوا وأنا شفيعهم إذا حشروا ولواء الكرم بيدي وأنا أكرم ولد آدم على ربي ولا فخر يطوف على ألف خادم كأنهم لؤلؤ مكنون :
سرخيل انبياء وسهدار اتقيا
سلطان باركاه دنى قائد الأمم
وإنما كان خدامه ألفاً لتحققه بألف اسم من أسماء الله سبحانه وتعالى : يا اأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِن جَآءَكُمْ فَاسِقُ} أي فاسق كان ﴿يُنَبَّؤُا﴾ أي نبأ كان والنبأ الخبر.
يعني خبري بياردكه موحش بود وموجب تألم خاطر.
فالتنكير للتعميم وفيه إيذان بالاحتراز عن كل فاسق وإنما قال إن جاءكم بحرف الشك دون إذا ليدل على أن المؤمنين ينبغي أن يكونوا على هذه الصفة لئلا يطمع فاسق في مكالمتهم بكذب ما وقال ابن الشيخ إخراج الكلام بلفظ الشرط المحتمل الوقوع لندرة مثله فيما بين أصحابه عليه السلام ﴿فَتَبَيَّنُوا﴾ أي إن جاءكم فاسق بخبر يعظم وقعه في القلوب فتعرفوا وتفحصوا حتى يتبين لكم ما جاء به أصدق هوام كذب ولا تعتمدوا على قوله المجرد لأن من لا يتحامى جنس الفسوق لا يتحامى الكذب الذي هو نوع منه روى أن الوليد بن عقبة بن أبي معبط أخا عثمان لأمه وهو الذي ولاه عثمان الكوفة بعد سعد بن أبي وقاص فصلى بالناس وهو سكران صلاة الفجر أربعاً ثم قال : هل أريدكم فعزله عثمان عنهم بعثه عليه السلام مصدقاً إلى بني المصطلق أي آخذاً وقابضاً لصدقاتهم وزكاتهم وكان بينه وبينهم أحنة أي حقد وبغض كأمن في الجاهلية بسبب دم فلما سمعوا بقدومه استقبلوه ركباناً فحسب أنهم مقاتلوه فرجع هارباً وقال لرسول الله عليه السلام : قد رتدوا ومنعوا الزكاة وهموا بقتلي فهم عليه السلام بقتالهم فنزلت وقيل : بعث إليهم خالد بن الوليد بعد رجوع الوليد بن عقبة عنهم في عسكر وقال له : أخر عنهم قومك إليهم بالعسكر وادخل عليهم ليلاً متجسساً هل ترى شعائر الإسلام وآدابه فإن رأيت منهم ذلك فخذ منهم زكاة أموالهم وإن لم تر ذلك فاستعمل فيهم ما يفعل بالكفار ففعل ذلك خالد وجاءهم وقت المغرب فسمع منهم أذان صلاتي المغرب والعشاء ووجدهم مجتهدين باذلين وسعهم ومجهودهم في امتثال أمر الله فأخذ منهم صدقاتهم وانصرف إلى رسول الله وأخبره الخبر فنزلت
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٦١
﴿أَن تُصِيبُوا﴾ حذار أن تصيبوا ﴿قَوْمَا بِجَهَـالَةٍ﴾ حال من ضمير تصيبوا أي ملتبسين بجهالة بحلهم وكنة قصتهم ﴿فَتُصْبِحُوا﴾ أي فتصيروا بعد ظهور براءتهم مما أسند إليهم ﴿عَلَى مَا فَعَلْتُمْ﴾ في حقهم ﴿نَـادِمِينَ﴾ مغتمين غماً لازماف متمنين أنه لم يقع فإن تركيب هذه الأحرف الثلاثة يدور مع الدوام مثل أدمن الأمر إذا أدامه ومدن المكان إذا أقام به ومنه المدينة يعني إن الندم غم يصحب الإنسان صحبة لها دوام على ما وقع مع تمني
٧٠


الصفحة التالية
Icon