﴿وَإِن طَآاـاِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا﴾ أي تقاتلوا والجمع حيث لم يقل اقتتلتا على التثنية والتأنيث باعتبار المعنى فإن كل طائفة جمع والطائفة من الناس جماعة منهم لكنها دون الفرقة كما دل عليه قوله تعالى فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة وطائفتان فاعل فعل محذول وجوباً لا مبتدأ لأن حرف الشرط لا يدخل إلا على الفعل لفظاً أو تقديراً والتقدير وإن اقتتل طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فحذف الأول لئلا يلزم اجتماع المفسر والمفسر وأصل القتل إزالة الروح عن الجسد ﴿فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا﴾ تنى الضمير باعتبار اللفظ والصلاح الحصول على الحالة المستقيمة النافعة والإصلاح جعل الشيء على تلك الحالة وبالفارسية بإصلاح آوردن.
أي فأصلحوا بين تينك الطائفتين بالنصح والدعاء إلى حكم الله قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله : من وصل أخاه بنصيحة في دينه ونظر له في صلاح دنياه فقد أحسن صلته وقال مطرف : وجدنا أنصح العبادالملائكة ووجدنا أغش العبادالشياطين يقال : من كتم السلطان نصحه والأطباء مرضه والإخوان بثه فقد خان نفسه والإصلاح بين الناس إذا تفاسدوا من أعظم الطاعات وأتم القربات وكذا نصرة المظلوم وفي الحديث إلا أخبركم بأفضل من درجة الصيام
٧٣
والصلاة والصدقة قالوا بلى يا رسول الله قال :"إصلاح ذات البين" وقال لقمان يا بني كذب من يقول إن الشر يطفي الشر فإن كان صادقاً فليوقد نارين ثم لينظر هل تطفىء إحداهما الأخرى وإنما يطفىء الماء النالا وفي الحديث : المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يعيبه ولا يتطاول عليه في البنيان فيستر عنه الريح إلا بإذنه ولا يؤذيه بقتار قدره إلا أن يغرف له منها ولا يشتري لبنيه الفاكهة فيخرجون بها إلى صبيان جاره ولا يطعمونهم منها وقال بعض العارفين : سعى الإنسان في مصالح غيره من أعظم القربات إلى الله تعالى وتأمل في موسى عليه السلام لما خرج يمشي في الظلمة في حق أهله ليطلب لهم ناراً يصطلون بها ويقضون بها إلا أمر الذي لا يقضي إلا بها في العادة كيف أنتج له ذلك الطلب سماع كلام ربه من غير واسطة ملك فكلمه الله في عين حاجته وهي النار ولم يكن يخطر له هذا المقام بخاطر فلم يحصل له إلا في وقت السعي في مصالح العيال وذلك ليعلمه الله بما في قضاء حوائج العائلة من الفضل فيزيد حرصاً في سعيه في حقهم لأنهم عبيده على كل حال وكذلك لما وقع لموسى الفرار من الأعداء الذين طلبوا قتله أنتج له ذلك الفرار الحكم والرسالة كما قال ففرت منكم لما خفتكم فوهب لي ربي حكماً وجعلني من المرسلين وذلك لأن فراره كان سعياً في حق الغير الذي هو النفس الناطقة المالكة تدبير هذا البدن فإن فرار الأكابر دائماً إنما يكون في حق الغير لا في حق أنفسهم فكان الفار من موسى النفس الحيوانية وكذلك لما خرج الخضر عليه السلام يرتاد الماء للجيش الذي كان معه حين فقدوا الماء فوقع بعين الحياة فشرب منها عاش إلى زمننا هذا والحال أنه كان لا يعرف ما خص الله به شارب ذلك الماء من الحياة فلما عاد وأخبر أصحابه بالماء سارعوا إلى ذلك الموضع ليستقوا منه فأخذ الله بأبصارهم عنه فلم يهتدوا إلى موضعه كما قال الحافظ :
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٦١
سكندر رانمى بخشند آبى
بزور وزر ميسر نيست اين كار
فانظر ما أنتج له سعيه في حق الغير واعمل عليه والآية نزلت في قتال أحدث بين الأوس والخزرج في عهده عليه السلام بالسعف وهي أغصان النخل إذا يبست والنعال فقال ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي عليه السلام مر يوماً على ملأ من الأنصار فيهم عليه السلام بن أبي المنافق ورسول الله عليه السلام على حماره فوقف عليهم يعظهم فبال حماره أوراث فأمسك عليه السلام بن أبي أنفه وقال : نح عنا نتن حمارك فقد آذيتنا بنتنه فمن جاءك منا فعظه فسمع ذلك عليه السلام بن رواحة رضي الله عنه فقال : ألحمار رسول الله تقول هذا؟ والله إن بول حمار رسول الله أطيب رائحة منك فمر عليه السلام رطال الكلام بين عليه السلام بن أبي المنافق الخزرجي وعليه السلام بن رواحة الأوسي حتى استبا وتجالدا وجاء قوم كل واحد منهما من الأوس والخزرج وتجالدوا بالعصي أو بالنعال والأيدي أو بالسيف أيضاً فنزلت الآية فرجع إليهم رسول الله فقرأها عليهم وأصلح بينهم فإن قيل عبد الله بن أبي كان منافقاً والآية في طائفتين من المؤمنين قلنا إحدى الطائفتين هي عبد الله بن أبي وعشيرته ولم يكن كلهم منافقين فالآية تتناول المؤمنين منهم أو المراد بالمؤمنين من أظهر الإيمان سواء كان مؤمناً حقيقة أو ادعاء وقيل في سبب
٧٤


الصفحة التالية
Icon