النزول غير هذا ويحتمل أن تكون الروايات كلها صحيحة ويكون نزول الآية عقيب جميعها وقال ابن بحر : القتال لا يكون بالنعال والأيدي وإنما هذا في المنتظر من الزمان انتهى.
يقول الفقير : فسروا القتل بفعل يحصل به زهوق الروح كالضرب بآلة الحرب والمحدد ولو من خشب ونحو ذلك مما يفرق الا جزاء ولا شك أن السعف من قبل الخشب المحدد وأما النعال فإن بعضها يعمل عمل الخشب المحدد كما شاهدنا في نعال بعض الأعراب على أن التقال قد يستعمل مجازاً في المحاربة والمضاربة فقد وقع القتال مطلقاً في زمن النبي عليه السلام وأما حرف الشرط فإشارة إلى أنه لا ينبغي أن يصدر القتال من المؤمنين إلا فرضاً مع أن خصوص السبب لا ينافي عموم الحكم فالآية عامة في جميع المسلمين إلى يوم القيامة على تقدير القتال فاعرف ﴿فَإِنا بَغَتْ﴾ أي تعدت يقال بغى عليه بغياً علا وظلم وعدل عن الحق واستطال كما في القاموس وأصل البغي طلب ما ليس بمستحق فإن البغي الطلب ﴿إِحْدَاـاهُمَا﴾ وكانت مبطلة
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٦١
﴿عَلَى الاخْرَى﴾ وكانت محقة ولم تتأثر أي الباغية بالنصيحة ﴿فَقَـاتِلُوا الَّتِى تَبْغِى﴾ أي قاتلوا الطائفة الباغية ﴿حَتَّى تَفِىاءَ﴾ أي ترجع فإن الفيء الرجوع إلى حالة محمودة ﴿إِلَى أَمْرِ اللَّهِ﴾ أي إلى حكمه الذي حكم به في كتابه العزيز وهو المصالحة ورفع العداوة أو إلى ما أمر به وهو الإطاعة المدلول عليها بقوله أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الا امر منكم فأمر الله على الأول واحد الأمور وعلى الثاني واحدا لأوامر وإنما أطلق الفيء على الظل لرجوعه بعد نسخ الشمس أي إزالتها إياه فإن الشمس كلما ازدادت ارتفاعاً ازداد الظل انتساخاً وزوالاً وذلك إلى أن توازي الشمس خط نصف النهار فإذا زالت عنه وأخذت في الانحطاط أخذ الظل في الرجوع والظهور فلما كان الزوال سبباً لرجوع ما اتسخ من الظل أضيف الظل إلى الزوال فقيل فيء الزوال وأطلق أيضاً على الغنيمة لرجوعها من الكفار إلى المسلمين وتلك الأموال وإن لم تكن أولاً للمسلمين لكنها لما كانت حقهم ليتوسلوا بها إلى طاعته تعالى كانت كأنها لهم أولاً ثم رجعت.
ومر الأصمعي بحي من أحياء العرب فوجد صبياً يلعب مع الصبيان في الصحراء ويتكلم الفصاحة فقال الأصمعي : أين أباك يا صبي فنظر إليه الصبي ولم يجب ثم قال : أين أبيك فنظر إليه ولم يجب كالأول ثم قال أين أبوك فقال : فاء إلى الفيفاء لطلب الفيىء فإذا فاء الفيىء فاء أي رجع ﴿فَإِن فَآءَتْ﴾ إليه وأقلعت عن القتال حذاراً من قتالكم ﴿فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ﴾ والإنصاف بفصل ما بينهما على حكم الله ولا تكتفوا بمجرد متاركتهما عسى أن يكون بينهما قتال في وقت آخر.
قال الحافظ :
جويبار ملك راآب سر شمشيرتست
خوش درخت عدل بنشان بيخ بدخواهان بكن
قال كيخسرو : أعظم الخطايا محاربة من يطلب الصلح وتقييد الإصلاح بالعدل ههنا دون الأول لأنه مظنة الحيف لوقوعه بعد المقاتلة وهي تورث الأحن في الغالب وقد أكد ذلك حيث قيل :﴿وَأَقْسِطُوا﴾ أي وأعدلوا في كل ما تأتون وما تذرون من أقسط إذا أزال القسط بالفتح أي الجور يقال إذا جاء القسط بالكسر أي العدل زال القسط بالفتح أي الجور وقال بعضهم : الاقساط أن يعطي قسط غيره أي نصيبه وذلك إنصاف ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾
٧٥
أي العادلين الذين يؤدون لكل ذي حق حقه فيجازيهم بأحسن الجزاء.
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٦١
قال الكاشفي :
عدل راشكر هست جان افزاى
عدل مشاطه ايست ملك اراى
عدل كن زانكه در ولايت دل
در يغمبرى زند عادل
وقال الحافظ :
شاه رابه بود از طاعت صد ساله وزهد
قدر يكساعته عمرى كه درو داد كند
قال بعض الكبار : كل من كان فيه صفة العدل فهو ملك وإن كان الحق ما ستخلفه بالخطاب الإلهي فإن من الخلفاء من أخذ المرتبة بنفسه من غير عهد إلهي إليه بها وقام بالعدل في الرعايا استناداً إلى الحق كما قال عليه السلام : ولدت في زمان الملك العادل يعني كسرى فسماه ملكاً ووصفه بالعدل ومعلوم أن كسرى في ذلك العدل على غير شرع منزل لكنه نائب للحق من وراء الحجاب وخرج بقولنا وقام بالعد في الرعايا من لم يقم بالعدل كفرعون وأمثاله من المنازعين لحدود الله والمغالبين لجنابه بمغالبة رسله فإن هؤلاء ليسوا بخلفاء الله تعالى كالرسل ولا نواباً له كالملوك العادلة للهم إخوان الشياطين قال بعضهم :
شه كرى از ظلم ازان ساده است
كه در عهد او مصطفى زاده است


الصفحة التالية
Icon