يقول الفقير يشير إليه القول المروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم اللهم إني أعوذ بك من أن أشرك بك شيئاً وأنا أعلم وأستغفرك لما لا أعلم ولا شك أن الأنبياء معصومون من الكفر قبل الوحي وبعده بإجماع العلماء ومن سائر الكبائر عمداً بعد الوحي فاستغفارهم لا يكون إلا عما لا يليق بشأنهم من ترك الأولى ونحوه على ما فصل في أول سورة الفتح فدل قوله واستغفرك لما لا أعلم على أنه قد يصدر من الإنسان الذنب وهو لا يشعر وذلك بالنسبة إلى الأمة قد يكون كفراً وقد يكون غيره فكما لا بد من الاستغفار بالنسبة إلى عامة الذنوب فكذا لا بد من تجديد الإسلام بالنسبة إلى الكفر وإن كان ذلك احتياطاً إذ باب الاحتياط مفتوح في كل شأن إلا نادراً وقد صح أن إتيان كلمة الشهادة على وجه العادة لا يرفع الكفر فلا بد من الرجوع قصداً عن قول وفعل ليس فيهما رضى الله وهو باستحضار الذنب إن علم صدوره منه أو بالاستغفار مطلقاً إن صدر عنه ولو كان ذلك كفراً على أنا نقول إن إمكان صدور الكفر عام للعوام والخواص ما داموا لم يصلوا إلى غاية العايات وهي مرتبة الذات الأحدية وإليه يشير قول سهل التستري قدس سره ولوصلوا ما رجعوا ألا ترى أن إبليس كفر بالله مع تمكن يده في الطاعات خصوصاً في العرفان فإنه أفحم كثيراً من أهل المعرفة لكنه كان من شأنه الكفر والرجوع إلى المعصية لأنه لم يدخل عالم الذات ولو دخل لم يتصور ذلك منه إذ لا كفر بعد الإيمان العياني ولهذا قال عليه السلام :"اللهم إني أسألك إيماناً يباشر قلبي ويقيناً ليس بعده كفر" فاعرف يا اأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ}
٨٣
أي كونوا على جانب منه وأبعدوا عنه فإن الاجتناب بالفارسية بايك سوشدن.
والظن اسم لما يحصل من أمارة ومتى قويت أدت إلى العلم ومتى ضعفت جداً لم تتجاوز حد التوهم وإبهام الكثير لإيجاب الاحتياط والتأمل في كل ظن ظن حتى يعلم أنه من أي قبيل وتوضيح المقام أن كثيراً لما بين بقوله من الظن كان عبارة عن الظن فكان المأمور باجتنابه بعض الظن إلا أنه علق الاجتناب بقوله كثيراً لبيان أنه كثير في نفسه ولا بد لنا من الفرق بين تعريف الظن الكثير وتنكيره فلو عرف وقيل اجتنبوا الظن الكثير يكون التعريف للإشارة إلى ما يعرفه المخاطب بأنه ظن كثير غير قليل ولو نكر يكون تنكيره للأفراد والبعضية ويكون المأمور باجتنابه بعض أفراد الظن الموصوف بالكثرة من غير تعيينه أي بعض هو وفي التكليف على هذا الوجه فائدة جليلة وهي أن يحتاط المكلف ولا يجترىء على ظن ما حتى يتبين عنده أنه مما يصح اتباعه ولا يجب الاجتناب عنه ولو عرف لكان المعنى اجتنبوا حقيقة الظن الموصوف بالكثرة أو جميع أفراده لا ما قل منه وتحريم الظن المعرف تعريف الجنس والاستغراق لا يؤدي إلى احتياط المكلف لكون المحرم معيناً فيجتنب عنه ولا يجتنب عن غيره وهو الظن القليل سواء كان ظن سوء وظن صدق ومن المعلوم أن هذا المعنى غير مراد بخلاف ما لو نكر الظن الموصوف بالكثرة فإن المحرم حينئذ اتباع الفرد المبهم من أفراد تلك الحقيقة وتحريمه يؤدي إلى احتياط المكلف إلى ين يتبين عنده أن ما يخطر بباله من الظن من أي نوع من أنواع الظن فإن من الظن ما يجب اتباعه كحسن الظن بالله تعالى وفي الحديث أن حسن الظن من الإيمان والظن فيما لا قاطع فيه من العمليات كالوتر فإنه لما ثبت بخبر الواحد لم يكن مقطوعاً به فقلنا بالوجوب فلا يكفر جاحده بل يكون ضالاً وبمتدعاً لرده خبر الواحد ويقتص لكونه فرضاً عملياً وفي الأشباه ويكفر بإنكار أصل الوتر والأضحية انتهى ومن الظن ما يحرم كالظن في الإلهيات أي بوجود الإله وذاته وصفاته وما يليق به من الكمال وفي النبوات فمن قال آمنت بجميع الأنبياء ولا أعلم آدم نبي أم لا يكفر وكذا من آمن بأن نبينا عليه السلام رسول ولم يؤمن بأنه خاتم الرسل لا نسخ لدينه إلى يوم القيامة لا يكون مؤمناً وكالظن حيث يخالفه قاطع مثل الظن بنبوة الحسنين أو غيرهما من خلفاء هذه الأمة وأوليائها مع وجود قوله تعالى وخاتم النبيين وقوله عليه السلام :"لا نبي بعدي" أي لا مشرعاً ولا متابعاً فإن مثل هذا الظن حرام ولو قطع كان كفراً وكظن السوء بالمؤمنين خصوصاً بالرسول عليه السلام وبورثته الكمل وهم العلماء بالله تعالى قال تعالى : وظننتم ظن السوء وكنتم قوماً بوراً وقال عليه السلام :"إن الله حرم من المسلم عرضه ودمه وأن يظن به ظن السوء" والمراد بعضه جانبه الذي يصونه من نفسه وحسبه ويتحامى أن ينتقص.
قال الصائب :
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٦١
بدكمانى لازم بد باطنان افتاده است
كوشه از خلق جا كردم كمين ند اشتند
ومن الظن ما يباح كالظن في الأمور المعاشية يعني ظن درامور دنيا ومهمات معاش ودرين صورت بدكمانى موجب سلامت وانتظام مهام است واز قبيل حزم شمرده اند كما قيل :
بدنفس مباش وبد كمان باش
وزفتنه ومكردر امان باش
٨٤