ـ وروي ـ عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم كلم إحدى نسائه فمر به رجل دعاه رسول الله فقال : يا فلان هذه زوجتي صفية وكانت قد زارته في العشر الأول من رمضان فقال : يا رسول الله إن كنت أظن بغيرك فإني لم أكن أظن بك فقال عليه السلام :"إن الشيطان ليجري من ابن آدم مجرى الدم" كما في الاحياء وفيه إشارة إلى الحذر من مواضع التهم صاينة لقلوب الناس عن سوء الظن ولألسنتهم من الغيبة وإلى الاتقاء عن تزكية النفس فإن النفس والشيطان لهما شأن عجيب في باب المكر والإغواء وإلقاء الفتنة والفساد نسأل الله المنان أن يجعلنا في أمان ﴿وَلا تَجَسَّسُوا﴾ أصله لا تتجسسوا حذف منه إحدى التاءين أي ولا تبحثوا عن عورات المسلمين وعيوبهم تفعل من الجس لما فيه من معنى الطلب فإن جس الخبر طلبه والتفحص عنه فإذا نقل إلى باب التفعل يحدث معنى التكلف منضماً إلى ما فيه من معنى الطلب يقال جسست الأخبار أي تفحصت عنها وإذا قيل تجسستها يراد معنى التكليف كالتلمس فإنه تفعل من اللمس وهو المس باليد لتعرف حال الشيء فإذا قيل تلمس يحدث معنى التكلف والطلب مرة بعد أخرى وقد جاء بمعنى الطلب في قوله وأنا لمسنا السماء وقرىء بالحاء من الحس الذي هو أثر الجس وغايته ولتقاربهما بثال للمشاعر الحواس بالحاء والجيم وفي المفردات أصل الجس مس العرق وتعرف نبضه للحكم به على الصحة والسقم ومن لفظ الجس اشتق الجاسوس وهو أخص من الحس لأنه تعرف ما يدرك الحس والجس تعرف حال ما من ذلك وفي الإحياء التجسس بالجيم في تطلع الأخبار وبالحاء المهملة في المراقبة بالعين وفي إنسان العيون التحسس للإخبار بالحاء المهملة أن يفحص الشخص عن الأخبار بنفسه وبالجيم أن يفحص عنها بغيره وجاء تحسسوا ولا تجسسوا انتهى.
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٦١
وفي تاج المصادر التجسس والتحسس خبر جستن.
وفي القاموس : الجس تفحص الأخبار كالتجسس ومنه الجاسوس والجسيس لصاحب سر الشر ولا تجسسوا أي خذوا ما ظاهر ودعوا ما ستر الله تعالى أو لا تبحصوا عن بواطن الأمور أو لا تبحثوا عن العورات والحاسوس الجاسوس أو هو في الخير وبالجيم في الشر انتهى وفي الحديث لا تتبعوا عورات المسلمين فإن من تتبع عورات المسلمين تتبع الله عورته حتى يفضحه ولو في جوف بيته.
قال الصائب :
خيانتهاى نهان ميكشد آخر برسوايى
كه دزد خانكى راشحنه در يازار ميكيرد
وعن جبرائيل قال يا محمد لو كانت عبادتنا على وجه الأرض لعلمنا ثلاث خصال : سقي الماء للمسلمين وإعانة أصحاب العيال وستر الذنوب على المسلمين وعن زيد بن وهب قلنا لابن مسعود رضي الله عنه : هل لك في الوليد بن عقبة بن أبي معيط يعني ه ميكويى در حق او.
تقطر لحيته خمراً فقال ابن مسعود رضي الله عنه : أنا قد نهينا عن التجسس فإن يظهر لنا شيء نأخذه به وفي الحديث اللهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا والعورات بالتسكين جمع عورة
٨٦
وهي عورة الإنسان وما يستحي منه من العثرات والعيوب وفي الحديث اللهم لا تؤمنا مكرك ولا تنسنا ذكرك ولا تهتك عنا سترك ولا تجعلنا من الغافلين وعنه عليه السلام من قال عند منامه هذا الدعاء بعث الله إليه ملكاً في أحب الساعات إليه فيوقظه كما في المقاصد الحسنة قال في نصاب الاحتساب ويجوز للمحتسب أن يتفحص عن أحوال السوقية من غير أن يخبره أحد بخيانتهم فإن قيل ينبغي أن لا يجوز لأنه تجسس منهي فنقول التجسس طلب الخير للشر والأذى وطلب الخبر للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليس كذلك فلا يدخل تحت النهي.
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٦١