ـ روي ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم كان إذا غزا أو سافر ضم الرجل المحتاج إلى رجلين موسرين يخدمهما ويتقدم لهما إلى المنزل فيهيىء لهما طعامهما وشرابهما فضم سلمان الفارسي إلى رجلين في بعض أسفاره فتقدم سلمان إلى المنزل فغلبته عيناه فلم يهيىء لهما شيئاً فلما قدما قالا له : ما صنعت شيئاً فقال : لا غلبتني عيناي قالا له : انطلق إلى رسول الله فاطلب لنا منه طعاماً فجاء سلمان إلى رسول الله وسأله طعاماً فقال عليه السلام : انطلق إلى أسامة بن زيي وقل له إن كان عنده فضل من طعام فليعطك وكان أسامة خازن رسول الله على رحله وطعامه فأتاه فقال : ما عندي شيء فرجع سلمان إليهما فأخبرهما فقالا : كان عند أسامة شيء ولكن بخل به فبعثا سلمان إلى طائفة من الصحابة فلم يجد عنهم شيئاً فلما رجع قالوا : لو بعثناه إلى بئر سميحة لغار ماؤها وسميحة كجهينة بالحاء المهملة بئر بالمدينة غزيرة الماء على ما في القاموس ثم انطلقا يتجسسان هل عند أسامة ما أمر لهما به رسول الله من الطعام فلما جاءا إلى رسول الله قال لهما : مالي أرى خضرة اللحم في أفواهكما والعرب تسمي الأسود أخرض والأخضر أسود وخضرة اللحم من قبيل الأول كأنه عليه السلام أراد باللحم لحم الميت وقد اسود بطول المكث تصوير الاغتياب بهما بأقبح الصور ويحتمل أنه عليه السلام أراد بالخضرة النضارة أي نضارة اللحم أو نضارة تناوله وفي الحديث الدنيا حلوة
٨٨
خضرة نضرة أي غضة طرية ناعمة قالا : والله يا رسول ما تناولنا يومنا هذا لحماً قال عليه السلام ظللتما تأكلان لحم أسامة وسلمان أي أنكما قد اغتبتماهما فأنزل الله الآية :
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٦١
آنكس كه لواء غيبت افراخته است
از كوشت مردكان غدا ساخته است
وانكس كه بعيب خلق رداخته است
زانكست كه عيب خويش نشتاخته است
وفي الحديث الغيبة أشد من الزنى قالوا : وكيف؟ قال : إن الرجل يزني ثم يتوب فيتوب الله عليه وإن صاحب الغيبة لا يغفر له حتى يغفر له صاحبه ما فيي كشف الأسرار وعن ابن عباس رضي الله عنهما الغيبة أدام كلاب الناس وكان أبو الطيب الطاهري يهجو بني سامان فقال له نضر بن أحمد : إلى متى تأكل خبزك بلحوم الناس فخجل ولم يعد.
قال الصائب :
كسى كه اك نسازد دهن زغيبت خلق
همان كليتد در دوزخست مسواكش
قال الشيخ سعدي في كتاب الكلستان : ياد دارم كه در عهد طفوليت متعب بودم وشب خيز ومولع زهد ويرهيز تاشبي درخدمت در نشسته بودم وهمه شب ديده بهم نبسته ومصحف عزيز دركنار كرفته وطائفة كردما خفته در را كفتم كه ازاينان يكى سر برنمى آردكه دو ركعت نماز بكزارد ودر خواب غفلت نان رفته اندكه كويى نخفته اند بلكه مره كفت اى جان درا كر تونيز بحفتى به كه دروستين خلق افتى :
اكر شم دلت را بركشايى
نه بينى هي كس عاجز تراز خويش
وعن أنس رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم "لما عرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم فقلت : من هؤلاء يا جبرائيل فقال : هم الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم" وفي الحديث خمس يفطرون الصائم الكذب والغيبة والنميمة واليمين الكاذبة والنظر بشهوة رواه أنس وأول من اغتاب إبليس اغتاب آدم وكان ابن سيرين رحمه الله قد جعل على نفسه إذا اغتاب أن يتصدق بنار ومما يجب التنبيه له أن مستمع الغيبة كقائلها فوجب على من سمعها أن يردها كيف وقد قال النبي عليه السلام :"من رد عن عرض أخيه رد الله عن وجهه النار يوم القيامة" وقال عليه السلام :"المغتاب والمستمع شريكان في الإثم" وعن ميمون أنه أتى بجية زنجي في النوم فقيل له : كل منها فقال : لم قيل : لأنك اغتبت عب فلان فقال : ما قلت فيه شيئاً قيل : لكنك استمعت ورضيت فكان ميمون لا يغتاب أحداً ولا يدع أحداً أن يغتاب عنده أحداً وعن بعض المتكلمين ذكره بما يستخف به إنما يكون غيبة إذا قصد الأضرار والشماتة به أما إذا ذكره تأسفاً لا يكون غيبة وقال بعضهم : رجل ذكر مساويء أخيه المسلم على وجه الاهتمام ومثله في الواقعات وعلل بأنه إنما يكون غيبة أن لو أراد به السب والنقص قال السمرقندي في تفسيره قلت : فيما قالوه خطر عظيم لأنه مظنة أن يجر إلى ما هو محض غيبة فلا يؤمن فتركها رأساً أقرب إلى التقوى وأحوط انتهى.
وفي هدية المهديين رجل لو اغتاب فريقاً لا يأثم حتى يغتاب قوماً معروين ورجل يصلي ويؤذي الناس بالي أو اللسان لا غيبة له إن ذكر بما فيه وإن أعلم به السلطان حتى يزجره لا يأثم انتهى وفي
٨٩
المقاصد الحسنة ثلاثة ليست لهم غيبة الإمام الجائر والفاسق المعلن بفسقه والمبتدع الذي يدعو الناس إلى بدعته انتهى وعن الحسن لا حرمة لفاجر.
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٦١


الصفحة التالية
Icon