ـ وروي ـ أن رسول الله عليه السلام مر في سوق المدينة فرأى غلاماً أسود يقول : من اشتراني فعلى شرط أن لا يمنعني عن الصلوات الخمس خلف رسول الله فاشتراه رجل فكان رسول الله يراه عند كل صلاة ففقده فسأل عنه صاحبه فقال : محموم فعاده ثم سأل عنه بعد أيام فقيل هو كابه أي متهيىء للموت الذي هو لاحق به فجاءه وهو في بقية حركته وروحه فتولى غسله ودفنه فدخل على المهاجرين والأنصار أمر عظيم فنزلت الآية ﴿إِنَّ اللَّهَ عَلِيمُ﴾ بكم وبأعمالكم ﴿خَبِيرٌ﴾ ببواطن أحوالكم قال ابن الشيخ في حواشيه والنسب وإن كان معتبراً عرفاً وشرعاً حتى لا تتزوج الشريفة بالنبطي قال في القاموس النبط محركة جيل ينزلون بالبطائح بين العراقين وهو نبطي محركة انتهى إلا أنه لا عبرة به عند ظهور ما هو أعظم قدراً منه وأعز وهو الإيمان والتقوا كما لا تظهر الكواكب عند طلوع الشمس فالفاسق وإنك ان قرشي النسب وقارون النشب لا قدر له عند المؤمن التقي وإن ك ان عبداً حبشياً والأمور التي يفتخر بها في الدنيا وإن كانت كثيرة لكن النسب أعلاها من حيث أنه ثابت مستمر غير مقدور التحصيل لمن ليس له ذلك بخلاف غيره كالمال مثلاً فإنه قد يحصل للفقير مال فيبطل افتخار المفتخر به عليه وكذا الأولاد والبساتين ونحوها فلذلك خص الله النسب بالذكر وأبطل اعتبار غيره بطريق الأولى انتهى وفي الحديث أن ربكم واحد وأبوكم واحد لا فضل لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي ولا لأحمر على أسود ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى وعلى هذا إجماع العلماء كما في بحر العلوم هركرا تقوى بيشتر قدم أودر مرتبه فضل يشتر.
الشرف بالفضل والأدب لا بالأصل والنسب :
با دب باش تا بزرك شوى
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٦١
كه بزركى نتيجة ادبست
قال بعض الكبار : المفاضلة بين الخلق عند الله لنسبتهم فهم من حيث النسبة واحد ومن حيث النسب متفاضلون إن أرمكم عند الله أتقاكم ولا يصح التفاضل بالأعمال فقد يسبق التابع المتبوع ولوك ان الشرف للأشياء من حيث شأنها أو مواطنها لكان الشرف لإبليس على آدم في قوله : خلقتني من نار وخلقته من طين ولكن لما كان الشرف اختصاصاً إلهياً لا يعرف إلا من جانب الحق تعالى جهل إبليس في مقالته تلك وصح الشرف لآدم عليه السلام والخيرية وسئل عيسى عليه السلام : أي الناس أشرف فقبض قبضتين من تراب ثم قال : أي هذين أشرف ثم جمعهما وطرحهما وقال الناس : كلهم من تراب وأكرمهم عند الله أتقاكم قال سليمان الفارسي رضي الله عنه :
٩١
أبي الإسلام لا أب لي سواه
إذا افتخروا بقيس أو تميم
وفي الحديث أن الله لا ينظر إلى صوركم وأعمالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم ونياتكم :
ره راست باينه بالاى راست
كه كافر هم از روى صورت وماست
وقال عليه السلام :"ياأيها الناس إنما الناس رجل مؤمن تقي كريم على الله وفاجر تقي هين على الله" وعن ابن عباس رضي الله عنهما : كرم الدنيا الغنى وكرم الآخرة التقوى.
ـ وروي ـ عن أبي هريرة رضي الله عنه أن الناس يحشرون يوم اليامة ثم يوقفون ثم يقول الله لهم : طالما كنتم تكلمون وأنا ساكت فاسكتوا اليوم حتى أتكلم إني رفعت نسبي وأبيتم إلا أنسابكم قلت : إن أكرمكم عني أتقاكم وأبيتم أنتم فقلتم لا بل فلان ابن فلان وفلان ابن فلان فرفعتم أنسابكم ووضعتم نسبي فاليوم أرفع نسبي وأضع أنسابكم سيعاهل الجمع اليوم من أصحاب الكرم أين المتقون كما فيي كشف الأسرار قال الكاشفي : أربعة لا يعبأ الله بهم يوم القيامة : زهد خصى وتقوى جندي وأمانة امرأة وعبادة صبي وهو محمول على الغالب كما في المقاصد الحسنة.
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٦١