وفي التأويلات التجمية والله يعلم ما في سموات القلوب من استعدادها في العبودية وما في أرض النفوس من تمردها عن العبودية والله بكل شيء جبلت القلوب والنفوس عليه عليم لأنه تعالى أودعه فيها عند تخمير طينة آدم بيده انتهى قال بعض الكبار : لا تضف إلى نفسك حالاً ولا مقاماً ولا تخبر أحداً بذلك فإن الله تعالى كل يوم هو في شأن في تغيير وتبديل يحول بين المرء وقلبه فربما أزالك عما أخبرت به وعزلك عما تخليت ثباته فتخجل عند من أخبرته بذلك بل احفظ ذلك ولا تعلمه إلى غيرك فإن كان الثبات والبقاء علمت أنه موهبة فلتشكر الله ولتسأله التوفيق للشكر وإن كان غير ذلك كان فيه زيادة علم ومعرفة ونور تيقظ وتأديب انتهى فظهر من هذا أن الإنسان يخبر غالباً بما ليس فيه أو بما سيزول عنه والعياذ بالله من سوء الحال ودعوى الكمال قال بعضهم : إياكم ثم إياكم والدعوات الصادقة والكاذبة فإن الكاذبة تسود الوجه والصادقة تطفى نور الإيمان أو تضعفه وإياكم والقول بالمشاهدات والنظر إلى الصور المستحسنات فإن هذا كله نفوس وشهوات ومن أحدث في طريق القوم ما ليس فيها فليس هو منا ولا فينا فاتبعوا ولا تبتدعوا وأطيعوا ولا تمرقوا ووحدوا ولا تشركوا وصدقوا الحق ولا تشكوا واصبروا ولا تجزعوا واثبتوا ولا تتفرقوا واسألوا ولا تسأموا وانتظروا ولا تيأسوا وتواخوا ولا تعادوا واجتمعوا على الطاعة ولا تفرقوا وتطهروا من الذنوب ولا تلطخوا وليكن أحدكم بواب قلبه فلا يدخل فيه إلا ما أمره الله به وليحذر أحدكم ولا يركن وليخف ولا يأمن وليفتش ولا يغفل ﴿يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا﴾ أي يعدون إسلامهم منة عليك وهي النعمة التي لا يطلب موليها ثواباً ممن أنعم بها عليه من المن بمعنى القطع لأن المقصود به قطع حاجته مع قطع النظر أن يعوضه المحتاج بشيء وقيل : النعمة الثقيلة من المن الذي يوزن به وهو رطلان يقال من عليه منة أي أثقله بالنعمة قال الراغب : المنة النعمة الثقيلة ويقال ذلك على وجهين : أحدهما أن يكون ذلك بالفعل فيقال من فلان على فلان إذا أثقله بالنعمة وعلى ذلك قوله
٩٦
تعالى لقد منّ الله على المؤمنين وذلك في الحقيقة لا يكون إلا تعالى والثاني أن يكون ذلك بالقول وذلك مستقبح فيما بين الناس إلا عند كفران النعمة ولقبح ذلك قيل : المنة تهدم الصنيعة ولحسن ذكرها عند الكفران قيل إذا كفرت النعمة حسنت المنة وقوله تعالى يمنون عليك الخ فالمنة منهم بالقول ومنة الله عليكم بالفعل وهو هدايته إياهم
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٦١
﴿قُل لا تَمُنُّوا عَلَىَّ إِسْلَـامَكُمْ﴾ أي لا تعدوا إسلامكم منة علي أو لا تمنوا علي بإسلامكم فنصبه بنزع الخافض ﴿بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاـاكُمْ لِلايمَـانِ﴾ على ما زعمتم من أنكم أرشدتم إليه وبالفارسية بلكه خداي تعالى منت مينهد برشما كه راه نموده است شمار بايمان ﴿إِن كُنتُمْ صَـادِقِينَ﴾ في ادعاء الإيمان وجوابه محذوف يدل عليه ما قبله أي فلله المنة عليكم وفي سياق النظم الكريم من اللطف ما لا يخفى فإنهم لما سمعوا ما صدر عنهم ءيماناً ومنوا به نفى كونه إيماناً وسماه إسلاماً فقال : يمنون عليك بما هو في الحقيقة إسلام أي دخول في السلم ولي بجير بالمنة لأنه ليس له اعتداد شرعاً ولا يعد مثله نعمة بل لو صح ادعاؤهم للإيمان فلله المنة عليهم بالهداية إليه لا لهم وسئل بعض الكبار عن قوله تعالى : بل الله يمن عليكم مع أنه تعالى جعل المن إذا وقع منا على بعضنا من سفساف الأخلاق فقال في جوابه : هذا من علم التطابق ولم يقصد الحق به المن حقيقة إذ هو الكريم الجواد على الدوام على من أطاع وعلى من عصى وفي الحديث ما كان الله ليدلك على مكارم الأخلاق ويفعل معكم خلاف ذلك وفي الحديث أيضاً ما كان الله لينهاكم عن الرياء ويأخذه منكم قال ذلك لمن قال له يا رسول الله إني صليت بالتيمم ثم وجدت الماء أفأصلي ثانياً فمعنى الآية إذا دخلتم في حضرة المن على رسولكم بإسلامكم فالمنلا لكم وإن وقع منكم شيء من سفساف الأخلاق رد الحق أعمالكم عليكم لا غير.
وفي التأويلات النجمية : يمنون عليك إن استسلموا لك ظاهرهم قل لا تمنوا على إسلامكم أي تسليم ظاهركم لي لأنه ليس هذا من طبيعة نفوسكم المتمردة بل الله يمن عليكم إن هداكم للإيمان إذا كتب في قلوبكم الإيمان فانعكس نور الإيمان من مصباح قلوبكم إلى مشكاة نفوسكم فتنورت واستضاءت بنور الإسلام فإسلامكم في الظاهر من فرع الإيمان الذي أودعته في باطنكم إن كنتم صادقين أي إن كنتم صادقين في دعوى الإيمان انتهى قال الجنيد رحمه الله : المن من العباد تقريع وليس من الله تقريعاً وإنما هو من الله تذكير النعم وحث على شكر المنعم.
قال الشيخ سعدي :
شكر خداى كن كه موفق شدى بخير
زانعام وفضل اونه معطل كذاشت
منت منه كه خدمت سلطان همي كنى
منت شناس ازوكه بخدمت بداشتت


الصفحة التالية
Icon