وفي التأويلات النجمية يشير أن من لم يعرف قدر قربي إليه ويكون بعيداً مني بخصاله الذميمة وفعاله الردئية ولم أرض بأن أكون رقيبه أوكل عليه رقيقين ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد يكتب بقلم حركاته ومدادنيته على صحيفة قلبه فإن كانت حركاته شرعية ونيته صافية تجيىء كتابته نورانية وإن كانت حركاته طبيعية حيوانية ونيته هو آثية شهوانية تجيىء كتابته ظلمانية نفسانية فمن هنا تبيض وجوه وتسود وجوه وفيه أيضاً إشارة إلى كمال عنايته في حق عباده إذ جعل على كل واحد رقيبين من الملائكة المقربين ليحفظوه بالليل والنهار إذا كان قاعداً فواحد عن يمينه وواحد عن شماله وإذا نام فواحد عن رأسه وواحد عن قدمه وإذا كان ماشياً فواحد بين يديده وآخر خلفه ويقال هما اثنان بالليل لكل واحد واثنان بالنهار ويقال بل الذي يكتب الخيرات كل يوم آخران والذي يكتب الشر والزلة كل يوم هو الذي كان بالأمس ليكثر شهود الطاعة غداً وتقل شهود المعصية ويقال بل الذي يكتب المعصية كل يوم اثنان آخران لئلا يعلم
١١٧
من مساويك إلا القليل منهم فيكون علم المعاصي متفرقاً فيهم انتهى ﴿وَجَآءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ﴾ السكرة استعارة لشدة الموت وغمرته الذاهبة بالعقل إنما لم يجعل الموت استعارة بالكناية ثم إثبات السكرة له تخييلاً لأن المقام أدعى للاستعارة التحقيقية وعبر عن وقوعها بالماضي إيذاناً بتحققها وغاية اقترابها حتى كأنها قد أتت وحضرت كما قيل قد أتاكم الجيش إلى قرب إتيانه والباء إما للتعدية كما في قولك جاء الرسول بالخبر والمعنى حضرت سكرة الموت أي شدته التي تجعل الإنسان كالسكران بحيث تغشاه وتغلب على عقله حقيقة الأمر الذي نطق به كتاب الله ورسله أو حقيقة الأمر وجلية الحال من سعادة الميت وشقاوته وإما للملابسة كالتي في قوله تعالى تنبت بالدهن أي ملتبسة بالحق أي بحقية الأمر أو بالحكمة والغاية الجميلة وقال بعضهم : أتت وحضرت بأمر الله الذي هو حق.
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٩٩
ـ وحكي ـ أن رجلاً أتى عمر رضي الله عنه فقال : إني أحب الفتنة وأكره الحق وأشهد بما لم أره فحبسه عمر رضي الله عنه فبلغت قصته علياً رضي الله عنه فقال : يا عمر حبسته ظلماً فقال : كيف ذلك قال : لأنه يحب المال والولد قال تعالى : إنما أموالكم وأوردكم فتنة ويكره الموت وهو الحق قال تعالى : وجاءت سكرة الموت بالحق ويشهد بأن الله لواحد لم يره فقال عمر : لولا علي لهلك عمر ﴿ذَالِكَ﴾ أي يقال للميت بلسان الحال وإن لم يكن بلسان القال أو تقول ملائكة ذلك الموت يا إنسان ﴿مَآ﴾ موصولة أي الأمر الذي ﴿كُنتَ﴾ في الدنيا ﴿مِنْهُ﴾ متعلق بقوله :﴿تَحِيدُ﴾ من حاد عنه يحيد حيداً إذا مال عنه أي تميل وتهرب منه وبالفارسية مى كريختى ومى ترسيدى واورا مكروه ميداشتى.
بل تحسب أنه لا ينزل عليك بسبب محبتك الحياة الدنيا كما في قوله أولم تكونوا أقسمتم من قبل مالكم من زوال أي أقسمتم بألسنتكم بطراً وأشراً وجهلاً وسفهاً أو بألسنة الحال حيث بنيتم مشيداً وأملتم بعيداً ولم تحدثوا أنفسكم بالانتقال منها إلى هذه الحالة فكأنكم ظننتم أنكم مالكم من زوال مما أنتم عليه من التمتع بالحظوظ الدنيوية فالخطاب في الآية للإنسان المتقدم على طريق الالتفات فإن النفرة عن الموت شاملة لكل فرد من أفراده طبعاً ويعضده ما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : أخذت أبا بكر غشية من الموت فبكيت عليه فقلت :
من لا يزال دمعه مقنعا
لا بد يوماً أنه مهراق
كتاب روح البيان ج٩ متن
الهام رقم ١٣ من صفحة ١١٨ حتى صفحة ١٢٧
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٩٩
فأفاق أبو بكر رضي الله عنه فقال : بل جاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد وما روي أنها قالت : إن من نعم الله علي أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم توفي في بيتي وبين سحري ونحري وأن الله جمع بين ريقي وريقه عند موته ودخل عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنه علي وبيده سواك وأنا مسندة رسول الله فرأيته ينظر إليه وعرفت أنه يحب السواك فقلت : آخذه لك فأشار برأسه أن نعم فتناوله فاشتد عليه فقلت : ألينه لك فأشار برأسه أن نعم فلينته فأمره وبين يديه ركوة فيها ماء فجعل يدخل به يده في الماء فيمسح بها وجهه ويقول : لا إله إلا الله إن للموت سكرات ثم نصب يده فجعل يقول في الرفيق الأعلى حتى قبض ومالت يده.
وجوز في الكشاف أن تكون الإشارة إلى الحق والخطاب للفاجر وهذا هو الظاهر لأن الكلام
١١٨