قال بعض الكبار : إن السيد عبد القادر الجيلي قدس سره لما حضرته الوفاة وضع خده على الأرض وقال : هذا هو الحق الذي كنا عنه في حجاب فشهد على نفسه بأن مقام الإدلال الذي كان فيه نقص بالنسبة إلى حاله الذي ظهر له عند الموت وتمم الله حاله عند الموت ومات على الكمال وعكس هذا ما حكي أن مولانا حميد الدين أخذه اضطراب عظيم في مرض موته فقيل له : أين علومك ومعارفك؟ فقال : يطلبون منا القلب وأحوال القلب وذلك غير موجود عندنا فالاضطراب من تلك الجهة.
ـ وروي ـ لبعضهم كلمات عالية ثم رؤي حالة الرحلة في غاية التشوش وقد ذهب عنه التحقيقات وذلك لأن الأمر الحاصل بالتكلف لا يستقر حال المرض والهرم فكيف حال مفارقة الروح فلذا انتقل البعض في مقام القبض والهيبة وقد روي أن بعضهم ضحك عند الموت وقال لمثل هذا فليعمل العاملون وبعضهم بكى وقال : ما لهذا نسعى طول عمرنا وأراد تجلي الله تعالى عند ذلك فإذا كان حال أرباب الأحوال هكذا فما ظنك بأحوال غيرهم وقد قالوا : إن سكرات الموت بحسب الأعمال ولا حول وقد تظهر صفات حسنها وقبحها عندالموت فالمغتاب تقرض شفاهه بمقاريض من نار والسامع للغيبة يسلك في أذنيه نار جهنم وآكل الحرام يقدم له الزقوم كذلك إلى آخر أعمال العبد كل ذلك يظهر عند سكرات الموت فالميت يجوزها سكرة بعد سكرة فعند آخرها يقبض روحه وكان عليه
١٢٠
السلام يقول اللهم هون على محمد سكرات الموت وإنما لا يستعيذ أكثر الناس من الموت ومن أِواله وسكراته لما غلب عليهم من الجهل فإن الأشياء قبل وقوعها إنما تدرك بنور النبوة والولاية ولذلك عظم خوف الأنبياء والأولياء من الموت :
يا من بدنياه اشتغل
وغره طول الأمل
الموت يأتي بغتة
والقبر صندوق العمل
قال الحافظ :
سهر برشده رويزنيست خون افشان
كه ريزه اش سركسرى وتاج رويزست
بدان اي جوانمردكه از عهد آدم تافناى عالم كس ازمرك نرست تونيز نخواهى رست الموت كاس وكل الناس شاربه :
خانه ر كندم ويك جو نفرستاده بكور
غم مركت وغم برك زمستانى نيست
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٩٩
﴿وَنُفِخَ فِى الصُّورِ﴾ هي النفخة الثانية وهي نفخة البعث والنشور والنافخ اسرافيل عليه السلام وقد سبق الكلام في الصور ﴿ذَالِكَ﴾ أي وقت ذلك النفخ على حذف المضاف ﴿يَوْمُ الْوَعِيدِ﴾ أي يوم إنجاز الوعيد الواقع في الدنيا وتحقيقه والوعيد التهديد أو يوم وقوع الوعيد على أنه عبارة عن العذاب الموعود وتخصيص الوعيد بالذكر مع أنه يوم الوعد أيضاً لتهويله ولذا بدىء ببيان حال الكفرة ﴿وَجَآءَتْ﴾ ومى آيد دران روز بعرصه محشر ﴿كُلُّ نَفْسٍ﴾ من النفوس البرة والفاجرة ﴿مَّعَهَا﴾ الخ محله النصب على الحالية من كل لإضافته إلى ما هو في حكم المعرفة كأنه قيل كل النفوس ﴿سَآاـاِقٌ وَشَهِيدٌ﴾ وإن اختلف كيفية السوق والشهادة حسب اختلاف النفوس عملاً أي معها ملكان أحدهما يسوق إلى المحشر والآخر يشهد بعملها خيراً أو شراً وفي كشف الأسرار يسوق الكافر سائقه إلى النار ويشهد الشهيد عليه بمعصيته ويسوق السائق المؤمن إلى الجنة ويشهد الشهيد له بطاعته انتهى وهل الملكان الكاتبان في الدنيا هما اللذان ذكرهما الله في قوله سائق وشهيد أو غيرهما فيه خلاف كما في فتح الرحمن أو معها ملك جامع بين الوصفين كأنه قيل معها ملك يسوقها ويشهد لها أو عليها وقال الواسطي سائقها الحق وشهيدها الحق أي بالنظر إلى الحقيقة في الدنيا والآخرة ﴿لَّقَدْ كُنتَ فِى غَفْلَةٍ مِّنْ هَـاذَا﴾ الغفلة معنى يمنع الإنسان من الوقوف على حقيقة الأمور وفي المفردات سهو يعتري من قلة التحفظ والتيقظ والمعنى يقال له يوم القيامة أو وقت النشور أو وقت العرض لقد كنت أيها الشخص في الدنيا في غفلة من هذا اليوم وغوائله وفي فتح الرحمن من هذا النازل بك اليوم وقال ابن عباس رضي الله عنهما من عاقبة الكفر وفي عين المعاني أي من السائق والشهيد وخطاب الكل بذلك لما أنه ما من أحد إلا وله غفلة ما من الآخرة وقيل الخطاب للكافر وقرىء كنت بكسر التاء على اعتبار تأنيث النفس وكذا الخطابات الآتية ﴿فَكَشَفْنَا﴾ أي أزلنا ورفعنا ﴿عَنكَ غِطَآءَكَ﴾ الذي كان على بصرك ولغطاء الحجاب المغطى لأمور المعاد وهو الغفلة والانهماك في المحسوسات والإلفة بها وقصر النظر عليها قال في المفردات : الغطاء ما يجعل فوق الشيء
١٢١
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٩٩