ـ روي ـ أن النبي عليه السلام سار ليلة المعراج فرأى عجوزاً على جنب الطريق فقال : ما هذه يا جبريل؟ فقال : سر يا محمد فسار ما شاء الله فإذا بشيء يدعوه متنحياً عن الطريق يقول : هلم يا محمد وأنه عليه السلام مر بجماعة فسلموا عليه وقالوا : السلام عليك يا أول السلام عليك يا آخر فقال جبريل اردد عليهم السلام فرد ثم قال جبريل أما العجوز فالدنيا ولم يبق من الدنيا إلا ما بقي من عمر تلك العجوز أما لو أجبتها لاختار أمتك الدنيا على الآخرة وأما الذي دعاك فإبليس وأما الذي سلموا عليك فإبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام قال بعض العارفين : خلق الله إبليس ليميز به العدو من الحبيب والشقي من السعيد فخلق الله الأنبياء ليقتدي بهم السعداء وخلق إبليس ليقتدي به الأشقياء ويظهر الفرق بينهما فإبليس دلال وسمسار على النار والخلاف وبضاعته الدنيا ولما عرضها على الكافرين قيل ما ثمنها قال : ترك الدين فاشتروها بالدين وتركها الزاهدون وأعرضوا عنها والراغبون فيها لم يجدوا في قلوبهم ترك الدين ولا ترك الدنيا فقالوا له : أعطنا مذاقة منها حتى ننظر ما هي فقال إبليس : أعطوني رهناً فأعطوه سمعهم وأبصارهم ولذا يحب أرباب الدنيا استماع أخبارها ومشاهدة زينتها لأن سمعهم وأبصارهم رهن عند إبليس فأعطاهم المذاقة بعد قبض الرهن فاستمعوا من الزهاد عيب الدنيا ولم يبصروا قبائحها بل استحسنوا زخارفها ومتاعها فلذلك قيل : حبك الشيء يعمي ويصم وقال بعضهم : خلق الله إبليس ليكون المؤمن في كنف رعاية المولى وحفظه لأن لولا الذئب لم يكن للغنم راع وخلق الله إبليس من ظلمة وخبث وطبعه على العداوة نسأل الله الحفظ والعصمة منه ﴿أَلْقِيَا فِى جَهَنَّمَ﴾ خطاب من الله تعالى للسائق والشهيد أو لملكين من خزنة النار أولو احد وهو الملك الجامع للوصفين أو خازن النار على تنزيل تثنية الفاعل تثنية الفعل وتكريره للتأكيد كأنه قيل ألق ألق حذف الفعل الثاني ثم أتى بفاعله وفاعل الفعل الأول على صورة ضمير الاثنين متصلاً بالفعل الأول أو على أن الألف بدل من نون التأكيد على إجراء الوصل مجرى الوقف ويؤيده أنه قرىء ألقين بالنون الخفيفة مثل لنسفعن فإنه إذا وقف على النون تنقلب ألفاً فتكتب بالألف على الوقف ووجه آخر هو أن العرب أكثر ما يرافق الرجل منهم اثنان يعني أدنى الأعوان في السفر اثنان فكثر في ألسنتهم أن يقولوا خليلي وصاحبي وقفا وأسعدا حتى خاطبوا الواحد خطاب الاثنين كما قال امرؤ القيس :
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٩٩
خليلي مر بي على أم جندب
لتقضي حاجات الفؤاد المعذب
ألم تر أني كلما جئت طارقاً
وجدت بها طيباً وإن لم تطيب
فثنى في البيت الأول ووحد في البيت الثاني ﴿كُلَّ كَفَّارٍ﴾ كل مبالغ في الكفر بالمنعم والنعم جاحد بالتوحيد معرض عن الإيمان وقيل كل كافر حالم غيره على الكفر ﴿عَنِيدٍ﴾ معاند للحق يعرف الحق فيجحده والعناد أقبح الكفر وقال قتادة منحرف عن الطاعة وقال السدي مشتق من العند وهو عظم يعترض في الحلق أو معجب بما عنده كأنه من قولهم عندي كذا كما في عين المعاني وقال في المفردات العنيد المعجب بما عنده والمعاند المتباهى بما عنده والعنود الذي يعند عن القصد أي يميل عن الحق ويرده عارفاً به ﴿مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ﴾ كثير المنع للمال
١٢٣


الصفحة التالية
Icon