وبلوغ الأشد هنا كما يقول إمام الدعاة الشيخ محمد متولي الشعراوي في خواطره حول القرآن الكريم : وبلغ أشده أي وصل إلي غايته في النضج والاستواء ومهمة الإنسان في عمارة الأرض من بداية البلوغ.
ويقول ربيعه وزيد بن أسلم و مالك بن أنس في القرطبي : الأشد بلوغ الحلم وفى ابن كثير، ولما بلغ يوسف أشده أي استكمل عقله وتم خلقه.
؟ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً؟ : الحكم كما يقول الإمام الشعراوي : هو الفيصل بين قضيتين متعارضتين ويقول أيضا، إن لم يحكم هذا الأشد حكمة وعلم فيكون هناك رعونة.
ويقول القرطبي : جعلناه المتولي على الحكم فكان يحكم في سلطان الملك أي وآتيناه علما بالحكم، وقيل الحكم والنبوة، والعلم علم الدين، وقيل علم الرؤيا٠
ويقول ابن كثير في تفسيره، يعنى النبوة أنه حباه بها بين أولئك الأقوام.
ومن هنا نقول والله المستعان :
؟ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً؟ : أي آتاه الله الحكمة والنبوة ورجاحة العقل الذي يفكر قبل أن ياتى أي فعل، ويزن الأمور بميزان دقيق ويختار الأصلح منها، وليس بميزان الطيش، أو العاطفة، أو النزوة، أو المصلحة الشخصية، أو ميزان الهوى.
وعلينا أن نقرأ الآية ونتدبرها جيدا : ؟ وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا ؟ : فنجد أن الحق سبحانه قد سبق بالحكم قبل العلم، أي آتاه رجاحة العقل أولا ليحكم بين الأمور، وليميز بين القضايا المتعارضة، ليختار ما يناسب أوامر الله سبحانه وتعالى، ويبتعد عما نهى الله عنه.
ثم بدأ الله في تعليمه، لأنه إن لم يكن هناك عقل راجح متحكم في تصرفات العبد، فإن العلم الذي سيتعلمه سيكون بلا فائدة، فكم من أساتذة وعلماء ليس لديهم رجاحة العقل المستنير، فيستخدمون علمهم في مالا يفيد وقد يضر ومنهم من يستخدم مكانته العلمية أو ما تعلمه للإضرار والإفساد، وهنا يسقط المتعلم الأهوج.