فإن قال قائل: وكيف يجوز أن يوصف يوسف بمثل هذا وهو لله نبي؟ قيل: إن أهل العلم اختلفوا في ذلك، فقال بعضهم: كان من ابتلى من الأنبياء بخطيئة، فإنما ابتلاه الله بها ليكون من الله عز وجل على وجل إذا ذكرها، فيجد في طاعته إشفاقا منها، ولا يتكل على سعة عفو الله ورحمته.
وقال آخرون: بل ابتلاهم الله بذلك ليعرفهم موضع نعمته عليهم، بصفحه عنهم وتركه عقوبته عليه في الآخرة.
وقال آخرون: بل ابتلاهم بذلك ليجعلهم أئمة لأهل الذنوب في رجاء رحمة الله، وترك اليأس من عفوه عنهم إذا تابوا.
وأما آخرون من خالف أقوال السلف وتأولوا القرآن بآرائهم، فإنهم قالوا في ذلك أقوالا مختلفة، فقال بعضهم: معناه: ولقد همت المرأة بيوسف، وهم بها يوسف أن يضربها أو ينالها بمكروه لهمها به ما أرادته من المكروه، لولا أن يوسف رأى برهان ربه، وكفه ذلك عما هم به من أذاها، لا أنها ارتدعت من قبل نفسها. قالوا: والشاهد على صحة ذلك قوله: ؟ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء ؟
قالوا: فالسوء: هو ما كان هم به من أذاها، وهو غير الفحشاء.
وقال آخرون منهم: معنى الكلام: ولقد همت به. فتناهى الخبر عنها، ثم أبتدئ الخبر عن يوسف، فقيل: وهم بها يوسف، لولا أن رأى برهان ربه. كأنهم وجهوا معنى الكلام إلي أن يوسف لم يهم بها، وأن الله إنما أخبر أن يوسف لولا رؤيته برهان ربه لهم بها، ولكنه رأى برهان ربه فلم يهم بها، كما قيل: ؟ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً ؟ النساء ٨٣ ويفسد هذين القولين أن العرب لا تقدم جواب "لولا" قبلها، لا تقول: لقد قمت لولا زيد، وهي تريد: لولا زيد لقد قمت، هذا مع خلافهما جميع أهل العلم بتأويل القرآن الذين عنهم يؤخذ تأويله.