اختلف العلماء في همه. ولا خلاف أن همها كان المعصية، وأما يوسف فهم بها ؟ لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ ؟ ولكن لما رأى البرهان ما هم ؛ وهذا لوجوب العصمة للأنبياء ؛ قال الله تعالى: ؟ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ ؟ فإذا في الكلام تقديم وتأخير ؛ أي لولا أن رأى برهان ربه هم بها. وقال أحمد بن يحيى: أي همت زليخاء بالمعصية وكانت مصرة، وهم يوسف ولم يواقع ما هم به ؛ فبين الهمتين فرق٠٠ فهذا كله حديث نفس من غير عزم، وقيل : هم بها أي بضربها ودفعها عن نفسه، والبرهان كفه عن الضرب ؛ إذ لو ضربها لأوهم أنه قصدها بالحرام فامتنعت فضربها. وقيل: إن هم يوسف كان معصية، وأنه جلس منها مجلس الرجل من امرأته، وإلي هذا القول ذهب معظم المفسرين وعامتهم،
والانكفاف في مثل هذه الحالة دال على الإخلاص، وأعظم للثواب.
وجواب "لولا" على هذا محذوف ؛: أي لولا أن رأى برهان ربه، لأمضى ما هم به؛
قال ابن عطية: روي هذا القول عن ابن عباس وجماعة من السلف، وقالوا: الحكمة في ذلك أن يكون مثلا للمذنبين ليروا أن توبتهم ترجع إلي، عفو الله تعالى كما رجعت ممن هو خير منهم ولم يوبقه القرب من الذنب، وهذا كله على أن هم يوسف بلغ فيما روت هذه الفرقة إلي أن جلس بين رجلي زليخاء وأخذ في حل ثيابه وتكته ونحو ذلك، وهي قد استلقت له ؛ حكاه الطبري.
وقال أبو عبيد القاسم بن سلام: وابن عباس ومن دونه لا يختلفون في أنه هم بها، وهم أعلم بالله وبتأويل كتابه، وأشد تعظيما للأنبياء من أن يتكلموا فيهم بغير علم. وقال الحسن: إن الله عز وجل لم يذكر معاصي الأنبياء ليعيرهم بها؛ ولكنه ذكرها لكيلا تيأسوا من التوبة. قال الغزنوي: مع أن زلة الأنبياء حكما: زيادة الوجل، وشدة الحياء بالخجل، والتخلي عن عجب، العمل، والتلذذ بنعمة العفو بعد الأمل، وكونهم أئمة رجاء أهل الزلل.