اشتد إلحاح امرأة العزيز على يوسف وزاد سخطها وغضبها، فماذا تفعل مع هذا الرجل الواقف أمامها، وتطلب منه فعل لو طلبته من الملوك لأجابوها إليه، ولكن أمامها نوع آخر من الرجال لم يرفض طلبها وحسب، ولكنه يناطحها بالحجج التي تمنعه من الفعل.
فما كان عليها إلا أن تجبره على الفعل ولو بالقوة، فهمت بالانقضاض عليه لتمسكه من قميصه من قبل (أي من الإمام) لتشده إليها أو لتجذبه نحوها، (وعندما نقول همت معناه أنها لم تصل إليه بعد ولم تمسكه)، فما كان من يوسف إلا أن هم ليردها عنه، ويدافع عن نفسه، وكاد أن يلمسها من قميصها، عندما وجد في وجهها هذا الهم ولكن جاءه إلهام رباني (البرهان):
أن يا يوسف لا تمدن يدك عليها لتدفعها عنك، ولا تلمسها، ولكن أدر لها ظهرك بسرعة، واهرب من أمامها، واتجه إلي الباب، فإنا منجوك من سوء يلحقك إن لمستها، ودليل ذلك القميص وسيأتي شرحه وتوضيحه في الآية التالية.
السوء
؟ وَاسُتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوَءاً إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ؟ يوسف ٢٥
الطبري:
يقول جل ثناؤه: واستبق يوسف وامرأة العزيز باب البيت. أما يوسف ففرارا من ركوب الفاحشة لما رأى برهان ربه فزجره عنها. وأما المرأة فطلبها يوسف لتقضي حاجتها منه التي راودته عليها، فأدركته فتعلقت بقميصه، فجذبته إليها مانعة له من الخروج من الباب، فقدته من دبر، يعني: شقته من خلف لا من قدام، لأن يوسف كان هو الهارب وكانت هي الطالبة.
وقوله: ؟ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ ؟ يقول جل ثناؤه: وصادفا سيدها وهو زوج المرأة لدى الباب، يعني: عند الباب.
القرطبي: