صفحة رقم ٣٣
أنزلهم وأكرمهم ورحب بهم، وقال : أنا عند الذي يسركم محمد أذن، ولو قد سمع
كلامنا وكلامكم لعله لا يعصينا فيما نأمره، فأبشروا واستعينوا آلهتكم عليه، فإنها نعم
العون لنا ولكم، فلما رأوا ذلك منه قالوا : أرسل إلى أخواننا، فأرسل عبد الله بن أبي إلى
طعمة وسعد أن إخواننا من أهل مكة قدموا علينا، فلما أتاهم الرسول جاءوا فرحبوا بهم
ولزم بعضهم بعضاً من الفرح وهم قيام، ثم جلسوا يرون أن يستنزلوا محمداً ( ﷺ ) عن
دينه.
فقال عبد الله بن أبي :
أما أنا فأقول له ما تسمعون لا أعدوا ذلك ولا أزيد، أقول : إنا
معشر الأنصار لم نزل وإلهنا محمود بخير، ونحن اليوم أفضل منذ أرسل إلينا محمد، ونحن
كل يوم منه في مزيد، ونحن نرجو بعد اليوم من إله محمد كل خير، ولكن لو شاء محمد
قبل أمراً كان يكون ما عاش لنا وله ذكر في الأولين الذين مضوا، ويذهب ذكره في
الآخرين على أن يقول : إن اللات والعزى لهما شفاعة يوم القيامة، ولهما ذكر ومنفعة
على طاعتهما، هذا قولى له.
قال أبو سفيان : نخشى علينا وعليكم الغدر والقتل، فإن محمداً زعموا أنه لن يبقى بها
أحداً منا في شدة بغضه إيانا، وإنا نخشى أن يكون يضمر لنا في نفسه ما كان لقي
أصحابه يوم أحد. قال عبد الله بن أبي : إنه إذا أعطى الأمان فإنه لن يغدر، هو أكرم من
ذلك، وأوفى بالعهد منا، فلما أصبحوا أتوه فسلموا عليه، فقال النبي ( ﷺ ) :' مرحباً بأبي
سفيان اللهم اهد قلبه '، فقال أبو سفيان : اللهم يسر الذي هو خير، فجلسوا فتكلموا
وعبد الله بن أبي، فقالوا للنبي ( ﷺ ) : ارفض ذكر اللات والعزة ومناة، حجر يعبد بأرض
هذيل، وقل : إن لهما شفاعة ومنفعة في الآخرة لمن عبدهما، فنظر إليه النبي ( ﷺ ) وشق
عليه قولهم، فقال عمر بن الخطاب، رضوان الله عليه : ائذن لي يا رسول الله في قتلهم،
فقال النبي ( ﷺ ) :' إني قد أعطيتهم العهد والميثاق '، وقال النبي ( ﷺ ) :' لو شعرت أنكم
تأتون هذا من الحديث لما أعطيتهم الأمان '.
فقال أبو سفيان : ما بأس بهذا أن قوماً استأنسوا إليك يا محمد ورجوا منك أمراً، فأما
إذا قطعت رجاءهم، فإنه لا ينبغي أن تؤذيهم، وعليك باللين والتؤدة لإخوانك
وأصحابك، فإن هذا من قوم أكرموك ونصروك وأعانوك ولولاهم لكنت مطلوباً مقتولاً،
وكنت في الأرض خائفاً لا يقبلك أحد، فزجرهم عمر بن الخطاب، رضي الله عنه،
فقال : اخرجوا في لعنة الله وغضبه فعليكم رجس الله وغضبه وعذابه ما أكثر شركم،


الصفحة التالية
Icon