... قوله تعالى: ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ﴾(١)قيل: معناه لا يطيقونه(٢) هذا التقدير على قول من قال من النحاة: بتقدير (لا) في مثل قوله تعالى: ﴿يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا﴾(٣) والمبرد وغيره يأبون ذلك ويقدرون فيه كراهية أن تضلوا. وقولهم أولى؛ لأن تقدير العامل المناسب أولى من تقدير حرف النفي، مع أنه ليس قوله: ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ﴾ نظير قوله: ﴿يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا﴾(٤) لأن هنا قرينة تدل على المقدر وهي قوله: ﴿يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ﴾ وليس في قوله: ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ﴾ ما يدل عليه ولا يجوز في مثله تقدير ما لايدل عليه من اللفظ دليل. وإلا لم يثق أحد بنص مثبت لاحتمال أن تكون (لا) مقدرة فيه. وقيل: معناه كانوا يطيقونه أي في حال الشباب فعجزوا عنه بعد الكبر، والآخر ظاهر الضعف. وأقوى منه ما روى البخاري في صحيحه عن عطاء أنه سمع ابن عباس يقرأ (وعلى الذي يطوقونه فدية طعام مسكين) قال ابن عباس: ليست بمنسوخة، هي الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما فيطعمان مكان كل يوم مسكيناً(٥). مع أن هذه القراءة يمكن أن ترد إلى معنى القراءة الأخرى فإن معنى (يطوَّقونه) يكلفونه. وأكثر السلف على أن الآية منسوخة. عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: لما نزلت هذه الآية ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ﴾ كان من أراد أن يفطر ويفتدي حتى نزلت هذه الآية ﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾ متفق عليه(٦)
(٢) انظر الدر المصون (٢/٢٧٣) فقد ذكر السمين هذا القول وقال: إنه بعيد.
(٣) سورة النساء، الآية: ١٧٦.
(٤) سورة النساء، الآية: ١٧٦.
(٥) صحيح البخاري مع الفتح برقم (٤٥٠٥) والقراءة المذكورة عن ابن عباس قراءة شاذة. انظر مختصر في شواذ القرآن لابن خالويه، ص (١١).
(٦) صحيح البخاري مع الفتح برقم (٤٥٠٧)، وصحيح مسلم برقم (١١٤٥).