فشهادة الله سبحانه لنفسه بالوحدانية، والقيام بالقسط تضمنت هذه المراتب الأربع: علمه سبحانه بذلك، وتكلمه به، وإعلامه، وإخباره لخلقه به، وأمرهم وإلزامهم به. فأما مرتبة العلم، فإن الشهادة تضمنتها ضرورة، وإلا كان الشاهد شاهداً بما لا علم له به، قال تعالى:﴿إِلاَّ مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾(١) وقال صلى الله عليه وسلم: "على مثلها فاشهد"(٢) وأشار إلى الشمس. وأما مرتبة التكلم والخبر، فقال الله تعالى: ﴿وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثاً أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلونَ﴾(٣) فجعل ذلك منهم شهادة، وإن لم يتلفظوا بلفظ الشهادة، ولم يؤدوها عند غيرهم. وأما مرتبة الإعلام والإخبار، فنوعان: إعلام بالقول، وإعلام بالفعل، وهذا شأن كل مُعْلم لغيره بأمرٍ، تارةً يعلمه به بقوله، وتارةً بفعله؛ ولهذا كان من جعل داره مسجداً، وفتح بابها، وأفرزها بطريقها، وأذن للناس بالدخول والصلاة فيها، معلماً أنها وقف، وإن لم يتلفظ به … وكذلك شهادة الرب عز وجل وبيانه وإعلامه، يكون بقوله تارةً، وبفعله أخرى، فالقول ما أرسل به رسله، وأنزل به كتبه، وأما

(١) سورة الزخرف، الآية: ٨٦.
(٢) أخرجه الحاكم في المستدرك (٤/١١٠) بنحوه من حديث ابن عباس، وقال: حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وتعقبه الذهبي بقوله: واه، فعمرو قال ابن عدي كان يسرق الحديث، وابن مسمول ضعفه غير واحد. وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (١٠/١٥٦) وقال: محمد بن سليمان بن مسمول هذا تكلم فيه الحميدي، ولم يرو من وجه يعتمد عليه. وأخرجه أبو نعيم في الحلية (٤/١٨) بلفظ المؤلف وقال: غريب. وأخرجه العقيلي في كتاب الضعفاء الكبير (٤/٧٠) وذكر أن هذا الحديث لا يعرف إلا من طريق المسمولي. وأورده الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام، ص (٢٩٠) وقال: أخرجه ابن عدي بإسناد ضعيف، وصححه الحاكم فأخطأ.
(٣) سورة الزخرف، الآية: ١٩.


الصفحة التالية
Icon