الفصل الثامن والخمسون
في بيان لزوم إياك نعبد لكل عبد إلى الموت
قال تعالى (إياك نعبد) فلم يقيد ذلك بوقت معين ومعنى ذلك أن العبادة مطلوبة من العبد إلى أن يموت كما قال الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم: (واعبد ربك حتى يأتيك اليقين) وقال أهل النار: (وكنا نكذب بيوم الدين حتى أتانا اليقين) واليقين ههنا هو الموت بإجماع أهل التفسير.
ومن زعم أنه يصل إلى مقام يسقط عنه فيه التعبد فهو زنديق كافر بالله وبرسوله وإنما وصل إلى مقام الكفر بالله والانسلاخ من دينه بل كلما تمكن العبد في منازل العبودية كانت عبوديته أعظم والواجب عليه منها أكبر وأكثر من الواجب على من دونه ولهذا كان الواجب على رسول الله بل على جميع الرسل أعظم من الواجب على أممهم والواجب على أولى العزم أعظم من الواجب على من دونهم والواجب على أولى العلم أعظم من الواجب على من دونهم وكل أحد بحسب مرتبته
الفصل التاسع والخمسون
في بيان مراتب إياك نعبد علماً وعملاً
للعبودية مراتب بحسب العلم والعمل.
فأما مراتبها العلمية فمرتبتان:
إحداهما: العلم بالله والثانية العلم بدينه.
فأما العلم به سبحانه فخمس مراتب:
العلم بذاته وصفاته وأفعاله وأسمائه وتنزيهه عما لا يليق به.
والعلم بدينه مرتبتان: إحداهما دينه الأمري الشرعي وهو الصراط المستقيم الموصل إليه.
والثانية: دينه الجزائي المتضمن ثوابه وعقابه وقد دخل في هذا العلم العلم بملائكته وكتبه ورسله.
وأما مراتبها العلمية فمرتبتان مرتبة لأصحاب اليمين ومرتبة للسابقين المقربين فأما مرتبة أصحاب اليمين فأداء الواجبات وترك المحرمات مع ارتكاب المباحات وبعض المكروهات وترك بعض المستحبات


الصفحة التالية
Icon