وقصارى ما يعرفه منها أنها محيطة به ولكنها فوق إدراكه؛ فمن ينتهي إلى أقصى الذل لملك من الملوك لا يقال انه عبده وإن قبّل مواطئ أقدامه ما دام سبب الذل والخضوع معروفاً وهو الخوف من ظلمه المعهود أو الرجاء بكرمه المحدود؛ الله إلا بالنسبة للذين يعتقدون أن الملك قوة غيبية سماوية أفيضت على الملوك من الملأ الأعلى واختارتهم للاستعلاء على سائر أهل الدنيا لأنهم أطيب الناس عنصراً وأكرمهم جوهراً وهؤلاء هم الذين انتهى بهم هذا الاعتقاد إلى الكفر والإلحاد، فاتخذوا الملوك آلهة وأرباباً وعبدوهم عبادة حقيقية.
للعبادة صور كثيرة في كل دين من الأديان شرعت لتذكير الإنسان بذلك الشعور بالسلطان الإلهي الأعلى الذي هو روح العبادة وسرها.
ولكل عبادة من العبادات الصحيحة أثر في تقويم أخلاق القائم بها وتهذيب نفسه، والأثر إنما يكون عن ذلك الروح والشعور الذي قلنا انه منشأ التعظيم والخضوع، فإذا وجدت صورة العبادة خالية من هذا المعنى لم تكن عبادة كما أن صورة الإنسان وتمثاله ليس إنساناً---).
***
الاستعانة الصادقة معناها التوكل وهي تجمع أصلين الثقة بالله والاعتماد عليه فإن العبد قد يثق بالواحد من الناس ولا يعتمد عليه في أموره مع ثقته به لاستغنائه عنه وقد يعتمد عليه مع عدم ثقته به لحاجته إليه ولعدم من يقوم مقامه فيحتاج إلى اعتماده عليه مع أنه غير واثق به.
وهذان الأصلان الواردان هنا أي في قوله تعالى (إياك نعبد وإياك نستعين)؛ أي التوكل والعبادة، قد ذكرا في القرآن في عدة مواضع قرن بينهما فيها هذا أحدها.
الثاني: قول شعيب (١١/٨٨) (وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب).
الثالث: قوله تعالى [١٠/١٢٣] (ولله غيب السماوات والأرض وإليه يرجع الأمر كله فاعبده وتوكل عليه).
الرابع: قوله تعالى حكاية عن المؤمنين [٦٠/٤] (ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير).


الصفحة التالية
Icon