أمير المؤمنين على صراط إذا اعوج الموارد مستقيم
وبنوا الصراط على زنة فِعال لأنه مشتمل على سالكه اشتمال الحلق على الشيء المسروط وهذا الوزن كثير في المشتمِلات على الأشياء كاللحاف والخمار والرداء والغطاء والفراش والكتاب إلى سائر الباب، [و]يأتي لثلاثة معان:
أحدها: المصدر كالقتال والضراب.
والثاني: المفعول نحو الكتاب والبناء والغراس.
والثالث: أنه يقصد به قصد الآلة التي يحصل بها الفعل ويقع بها كالخمار والغطاء والسداد لما يخمر به ويغطى ويسد به؛ فهذا آلة محضة والمفعول هو الشيء المخمر والمغطى والمسدود.
ومن هذا القسم الثالث إله بمعنى مألوه؛ وأما ذكره له بلفظ الطريق في سورة الأحقاف خاصة فهذا حكاية الله تعالى لكلام مؤمني الجن أنهم قالوا لقومهم: (إنا سمعنا كتاباً أنزل من بعد موسى مصدقاً لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم) [الأحقاف ٣٠] وتعبيرهم عنه ههنا بالطريق فيه نكتة بديعة وهي أنهم قدموا قبله ذكر موسى وأن الكتاب الذي سمعوه مصدقاً لما بين يديه من كتاب موسى وغيره فكان فيه كالنبأ عن رسول الله في قوله لقومه (ما كنت بدعاً من الرسل) أي لم أكن أول رسول بعث إلى أهل الأرض بل قد تقدمت رسل من الله إلى الأمم، وإنما بعثت مصدقاً لهم بمثل ما بعثوا به من التوحيد والإيمان، فقال مؤمنو الجن: (إنا سمعنا كتاباً أنزل من بعد موسى مصدقاً لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم) أي إلى سبيل مطروق قد مرت عليه الرسل قبله وإنه ليس ببدع، كما قال في أول السورة نفسها؛ فاقتضت البلاغة والإعجاز لفظ الطريق لأنه فعيل بمعنى مفعول أي مطروق مشت عليه الرسل والأنبياء قبلُ، فحقيق على من صدق رسل الله وآمن بهم أن يؤمن به ويصدقه؛ فذكر الطريق ههنا إذاً أولى لأنه أدخل في باب الدعوة والتنبيه على تعين اتّباعه والله أعلم؛ ثم رأيت هذا المعنى بعينه قد ذكره السهيلي فوافق فيه الخاطر الخاطر).
الفصل الخامس


الصفحة التالية
Icon