المثال الأول: قوله تعالى (رب العالمين) ذكر قبله مقتضاه وهو التفرد بالحمد المطلق؛ وذكر بعده ما ينبني عليه وهو ما يبين مصير العالمين؛ وأن ما هو واقع منهم من خير وظلم لا بد من المجازاة عليه، لأنه ليس من المعقول أن يخلقهم سدى ربهم الذي له الحمد أي المتصف بصفات الكمال، فإن الكمال ينفي ذلك، وينفي وقوع ما نشاهده من تظالم بين المخلوقات من غير أن يكون قصاص في يوم من الأيام؛ هذا فضلاً عن الظلم الأكبر الذي هو الشرك وعدم إفراد رب العالمين بالعبودية والطاعة.
***
المثال الثاني: ابتدأت السورة بالحمد لأنه في الحقيقة أنسب ما يبتدأ به؛ فليس في الكلام كلام أصدق ولا أعظم ولا أهم ولا أشمل ولا أنسب في مثل هذا المقام وهو افتتاح كتاب الله، بل وكل كلام ذي بال، من الحمد لله؛ ولذلك أدلة كثيرة؛ منها أن الحمد إذا انفرد عن بقية الأذكار شمل كل معانيها؛ فمثلاً إذا اجتمع التسبيح والتحميد والتوحيد والتكبير فثم تدرج؛ فالتسبيح تنزيه عن النقص وكل ما لا يليق بالله تبارك وتعالى؛ والتحميد إثبات لصفات الكمال المطلق؛ والتوحيد فيه توكيد لتنزيهه عن النقص وإثبات لتفرده بصفات الكمال المطلق بحيث يستحق أن يعبد وحده، بل كل ما سواه يجب أن يخضع له ويعبده لأنه ناقص عن منزلته محتاج إلى تدبيره ومعونته بل هو الذي أوجده؛ والتكبير إقرار من العبد بأنه مهما عظم الله وكبره وأثنى عليه فالله أكبر من ذلك؛ فلا يعلم عظمة الله على الحقيقة إلا هو تبارك وتعالى؛ وهذا كما كان النبي ﷺ يقول في سجوده: لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك.


الصفحة التالية
Icon