هذه السورة فيها تقسيم حكيم بديع، ففي حديث أبي هريرة قال: سمعت النبي ﷺ يقول: قال الله تعالى: قسمت الصلاة؛ أي الفاتحة؛ بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل؛ فإذا قال العبد: الحمد لله رب العالمين، قال الله تعالى: حمدني عبدي؛ وإذا قال الرحمن الرحيم قال الله تعالى أثنى علي عبدي و إذا قال مالك يوم الدين قال مجدني عبدي و إذا قال إياك نعبد وإياك نستعين قال هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل فاذا قال اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين قال هذا لعبدي ولعبدي ما سأل فالابتداء بقوله الحمد لله دليل على أن التسمية ليست من الفاتحة.
الفاتحة بالنسبة للقرآن كالخطبة أو المقدمة بالنسبة للكتاب؛ والقرآن شرح لها؛ ومعلوم أنه كلما كان صاحب الكتاب أعلم وأبلغ كان تلخيصه لمقاصد كتابه في مقدمته أكمل؛ هذا بالنسبة لكلام المخلوقين الذين علَّمهم الله تبارك وتعالى من النطق والبيان بحسب حاجتهم وأهليتهم؛ فكيف إذا كان الكتاب كتاب الله رب العالمين الذي هو بكل شيء عليم وعلى كل شيء قدير، ما ظنك بشأن السورة التي هي فاتحته وأم مقاصده؟
وقع في الفاتحة تلخيص لأعظم المقاصد؛ واشتملت على إثبات كل العقائد؛ فقد اشتملت على أمهات المطالب العالية أتم اشتمال وتضمنتها أكمل تضمن؛ فاشتملت على التعريف بالمعبود تبارك وتعالى بثلاثة أسماء مرجع الأسماء الحسنى والصفات العليا إليها ومدارها عليها، وهي الله والرب الرحمن وبنيت السورة على الإلهية والربوبية والرحمة؛ وتضمنت الرد على جميع طوائف أهل البدع والضلال، وتضمنت إشارات إلى منازل السائرين ومقامات العارفين؛ بل من تدبر هذه السورة تدبراً لائقاً بها وكان من أهل العلم والفطنة والتحقيق علم أن كل آية فيها تشتمل على إثبات توحيد الله والنبوة واليوم الآخر والإيمان بالقدر؛ ويأتي بيان بعض ذلك في مواضعه.