فيها بلاغة عظيمة في مسائل كثيرة متعلقة بالتقديم والتأخير، والتعريف والتنكير، والجمع والإفراد، والتكرار وعدمه، واستعمال الجملة الاسمية بدل الفعلية، والحذف؛ وانتقاء الألفاظ دون مرادفاتها، وابتناء المعاني على بعضها، وغير ذلك؛ ويأتي تفصيل ذلك فانتظره.
كل شيء مذكور في سورة الفاتحة فدليله حاضر في الكون المشاهد ومذكور في الفاتحة نفسها قبله أو بعده؛ فكون الحمد كله لله دليله أنه رب العالمين؛ و(الرحمن الرحيم) دليلها ربوبيته العامة لكل شيء؛ وكونه مالك يوم الدين وجود الظلم في الدنيا ولا بد من يوم يحاسب فيه الخلائق؛ هذا تمثيل والتفصيل يأتي في موضعه.
معاني هذه السورة مرتبة ترتيباً عظيماً بليغاً دالاً على كمال الحكمة؛ ويأتي بعض تفصيل ذلك في موضعه المناسب له.
وفي الجملة فإن هذه السورة لا يقوم غيرها مقامها ولا يسد مسدها ولذلك لم ينزل الله في التوراة ولا في الإنجيل ولا في القرآن مثلها؛ وسر الخلق والأمر والكتب والشرائع والثواب والعقاب انتهى إلى هاتين الكلمتين (إياك نعبد وإياك نستعين)، وعليهما مدار العبودية والتوحيد حتى قيل: أنزل الله مئة كتاب وأربعة كتب جمع معانيها في التوراة والإنجيل والقرآن؛ وجمع معاني هذه الكتب الثلاثة في القرآن؛ وجمع معاني القرآن في المفصل؛ وجمع معاني المفصل في الفاتحة؛ ومعاني الفاتحة في (إياك نعبد وإياك نستعين) وهما الكلمتان المقسومتان بين الرب وبين عبده نصفين فنصفهما له تعالى وهو إياك نعبد ونصفهما لعبده وهو إياك نستعين؛ وسيأتي سر هذا ومعناه إن شاء الله في موضعه.
الفصل الثاني
في بيان وجه البلاغة في تخصيص ألفاظ ومعاني الفاتحة بالذكر دون غيرها


الصفحة التالية
Icon