ما ذكره الله تعالى من المعاني في هذه السورة العظيمة هو أفضل وأولى ما يذكر في موضعه؛ فقد ذكر تعالى الحمد وهو أكمل أنواع العبادة، وذكر اسمه (الله) وهو أعظم الأسماء وأشملها لمعاني الأسماء الأخرى؛ وذكر ربوبيته للعالمين وهي أعظم أدلة قدرته وعلمه وكماله واستحقاقه للإفراد بالعبودية؛ وذكر رحمته وهي أقوى متعلق للعبد وأكثر شيء يحتاجه بل يضطر إليه؛ وذكر ملكه ليوم الدين وهو أعظم الأيام وملك ذلك اليوم أكبر أمثلة ربوبيته الشاملة الكاملة، وقال (إياك نعبد وإياك نستعين) وهما أعظم حقوق الله وأكبر حظوظ العبد؛ وقال (اهدنا الصراط المستقيم) وهو أعظم الأدعية؛ وقال (صراط الذين أنعمت عليهم) وهم أفضل الناس؛ وقال (غير المغضوب عليهم ولا الضالين) وهما أكثر الفرق ابتعاداً عن الدين الحق وانحرافاً عنه ومعاداة له.
***
الله مالك كل الأيام؛ وخص يوم الدين بإضافة الملك إليه لخطورته وعظمه ولأنه ختام الأيام وثمرتها ولأنه يظهر فيه ملك الله كاملاً.
***
وإذا كان يوم الدين ظرفاً كما هو المعروف فالمعنى واضح كما تقدم؛ وإن كان مفعولاً ففي ذلك معان قد يظهر لأول وهلة أنها زائدة على ذلك المعنى؛ ولكن المعنيين متساويان عند التحقيق وهو ملك الله تعالى لكل شيء ملكية تامة قاهرة ظاهرة.
***
في تخصيصه لأهل الصراط المستقيم بالنعمة ما دل على أن النعمة المطلقة هي الموجبة للفلاح الدائم؛ وأما مطلق النعمة فعلى المؤمن والكافر، فكل الخلق في نعمه؛ وهذا فصل النزاع في مسألة: هل لله على الكافر من نعمة أم لا؟
***
خص النبي ﷺ بالذكر اليهود والنصارى بياناً لعظم تأثير هاتين الأمتين في العالم من جهة، ولكثرة من تشبه بهما من المسلمين من جهة أخرى.
***
وفي ما يظهر من تخصيص صفة الرحمة بالذكر بقوله تعالى (الرحمن الرحيم) عقب ذكر الحمد والربوبية، دون سائر الصفات الأخرى معان جليلة تظهر عند التدبر والتفكر؛ ولبيان بعض ذلك أقول: