هذا الأمر، أعني التخصيص المذكور، قد يتبادر إلى الذهن والحقيقة أن الله تعالى لم يخص هذه الصفة بالذكر دون غيرها بل ذكر صفة الهداية بقوله (اهدنا) وصفة الغضب بقوله (المغضوب عليهم) وصفة الإضلال بقوله (ولا الضالين)، وذكر قبل ذلك صفة الربوبية وهي شاملة لمعاني صفات كثيرة كالخلق والقدرة والتدبير والرزق والعلم والحكمة وغيرها؛ ولكن صرح بصفتي الرحمن والرحيم وقدمهما على كل ما سوى الحمد والربوبية؛ وفي هذا التصريح والتقديم معان عديدة حكيمة.
الأول: بيان أن من أهم مظاهر ربوبيته رحمته بالخلق.
الثاني: أن رحمته سبقت غضبه.
الثالث: أن خلقه للخلق رحمة لهم ولكن منهم من لم يقبل تلك الرحمة ولم ينتفع بها فصار مؤهلاً للعقوبة بدل الرحمة.
الرابع: أن هذا الرب العظيم أفعاله تتردد بين العدل والرحمة، فبربوبيته عدل بين مخلوقاته وحكمها بعدله وبرحمته رحم من رحمهم منهم.
الخامس: في ذكر هاتين الصفتين ثناء على الله تعالى وقد تقدم قول النبي ﷺ (فإذا قال العبد: الحمد لله رب العالمين، قال الله تعالى: حمدني عبدي؛ وإذا قال: الرحمن الرحيم قال الله تعالى: أثنى علي عبدي) والثناء معناه تكرير الحمد وهنا وقع ثناء مع شيء من تفصيل.
السادس: في ذكر هذين الاسمين ذكر لحظ العبيد من الملك المعبود وهو الرحمة العظيمة.
السابع: في ذكر الربوبيتة ما يثير خوف العبد وفي ذكر الرحمة ما يثير رجاءه؛ وكلاهما أي الربوبية والرحمة يؤدي إلى الحب؛ فهو محبوب لكماله وأنه رب العالمين، ومحبوب لرحمته فالقلوب مجبولة على حب من أحسن إليها.
الفصل الثالث
في بيان معاني مفردات الفاتحة
الحمد شكر؛ والحمد وإن كان بالقول أو الكتابة فإن أصله في القلب، ويظهر أثره على البدن.
***
الرب: السيد والمالك والمعبود والمصلح والمدبر، وهو اسم فاعل حذفت ألفه، كما قيل: بار وبر.


الصفحة التالية
Icon