واقتران العلم بالحلم [٤: ١١] (والله عليم حليم)؛ وحملة العرش أربعة اثنان يقولان: سبحانك اللهم وبحمدك لك الحمد على حلمك بعد علمك واثنان يقولان: سبحانك اللهم وبحمدك لك الحمد على عفوك بعد قدرتك فما كل من قدر عفا ولا كل من عفا يعفو عن قدرة ولا كل من علم يكون حليماً ولا كل حليم عالم فما قرن شيء إلى شيء أزين من حلم إلى علم ومن عفو إلى قدرة ومن ملك إلى حمد ومن عزة إلى رحمة؛ [٢٦: ٩] (وإن ربك لهو العزيز الرحيم)؛ ومن ههنا كان قول المسيح عليه السلام [٥: ١٢١] (إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم) أحسن من أن يقول: (وإن تغفر لهم فإنك أنت الغفور الرحيم)؛ أي إن غفرت لهم كان مصدر مغفرتك عن عزة وهي كمال القدرة وعن حكمة وهي كمال العلم؛ فمن غفر عن عجز وجهل بجرم الجاني لا يكون قادراً حكيماً عليماً بل لا يكون ذلك إلا عجزاً فأنت لا تغفر إلا عن قدرة تامة وعلم تام وحكمة تضع بها الأشياء مواضعها؛ فهذا أحسن من ذكر الغفور الرحيم في هذا الموضع الدال ذكره على التعريض بطلب المغفرة في غير حينها وقد فاتت؛ فإنه لو قال: (وإن تغفر لهم فإنك أنت الغفور الرحيم) كان في هذا من الاستعطاف والتعريض بطلب المغفرة لمن لا يستحقها ما ينره عنه منصب المسيح عليه السلام لا سيما والموقف موقف عظمة وجلال وموقف انتقام ممن جعل لله ولداً واتخذه إلها من دونه فذكر العزة والحكمة فيه أليق من ذكر الرحمة والمغفرة.
وهذا بخلاف قول الخليل عليه السلام [١٤: ٣٥-٣٦] (واجنبني وبني أن نعبد الأصنام رب إنهن أضللن كثيراً من الناس فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم)؛ ولم يقل: (فإنك عزيز حكيم)، لأن المقام استعطاف وتعريض بالدعاء أي إن تغفر لهم وترحمهم، بأن توفقهم للرجوع من الشرك إلى التوحيد ومن المعصية إلى الطاعة كما في الحديث (اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون).


الصفحة التالية
Icon