المثال العاشر: قابل تعالى بين الهداية والنعمة والغضب والضلال؛ فذكر المغضوب عليهم والضالين في مقابلة المهتدين المنعم عليهم؛ وهذا كثير في القرآن: يقرن بين الضلال والشقاء وبين الهدى والفلاح.
فالثاني كقوله تعالى (أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون) وقوله تعالى (أولئك لهم الأمن وهم مهتدون) [٢/٤].
والأول كقوله تعالى (إن المجرمين في ضلال وسعر) [٥٤/٤٧] وقوله تعالى (ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم) [٢/٧].
وقد جمع سبحانه بين الأمور الأربعة في قوله (فإما يأتينكم منى هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى) [٢٠/١٢٣]؛ فهذا الهدى والسعادة؛ ثم قال: (ومن أعرض عن ذكرى فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى) [٢٠/١٢٤]؛ فذكر الضلال والشقاء؛ فالهدى والسعادة متلازمان؛ والضلال والشقاء متلازمان؛ والهداية ضدها الضلال والنعمة ضدها الغضب أو النقمة التي هي من لوازم الغضب.
وتأمل ارتباط الخلق والأمر بهذه الأسماء الثلاثة وهي الله والرب والرحمن كيف نشأ عنها الخلق والأمر والثواب والعقاب وكيف جمعت الخلق وفرقتهم فلها الجمع ولها الفرق، فاسم الرب له الجمع الجامع لجميع المخلوقات فهو رب كل شيء وخالقه والقادر عليه لا يخرج شيء عن ربوبيته وكل من في السموات والأرض عبد له في قبضته وتحت قهره فاجتمعوا بصفة الربوبية وافترقوا بصفة الإلهية فألهه وحده السعداء وأقروا له طوعا بأنه الله الذي لا إله إلا هو الذي لا تنبغي العبادة والتوكل والرجاء والخوف والحب والإنابة والإخبات والخشية والتذلل والخضوع إلا له.
وهنا افترق الناس وصاروا فريقين فريقاً مشركين في السعير وفريقاً موحدين في الجنة، فالإلهية هي التي فرقتهم كما أن الربوبية هي التي جمعتهم.
فالدين والشرع والأمر والنهي مظهره وقيامه من صفة الإلهية.