و (إياك نعبد وإياك نستعين) عليها مدار دعوة الرسل؛ فجميع الرسل إنما دعوا إلى إياك نعبد وإياك نستعين فإنهم كلهم دعوا إلى توحيد الله وإخلاص عبادته من أولهم إلى آخرهم فقال نوح لقومه (اعبدوا لله مالكم من إله غيره) [٧: ٥٩] وكذلك قال هود وصالح وشعيب [٧ ٦٥ ٧٣ ٨٥] وإبراهيم قال الله تعالى: (ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت) [١٦: ٣٦] وقال: (وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون) [٢١: ٢٥] وقال تعالى: (يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون) [٢٣: ٥١-٥٢].
***
المثال الرابع عشر: قدم ذكر الاستعاذة من الغضب على الاستعاذة من الضلال وهو أنسب لأمور منها هذه الأمور التالية:
الأول: أن الغضب مؤداه الانتقام وهو يقابل الانعام؛ فناسب أن يذكر عقبه.
الثاني: أن العقوبة على الغضب أكثر، قال سفيان الثوري: يغفر للجاهل سبعين مرة قبل أن يغفر للعالم.
الثالث: أن أسباب الغضب، أي المعاصي الواقعة بسبب فساد القصد والإرادة، أكثر وقوعاً في الناس.
الرابع: أن المغضوب عليهم وهم اليهود متقدمون بالزمان، على الضالين عليهم وهم النصارى، فقدم ذكر هؤلاء على هؤلاء.
الخامس: أنهم كانوا هم الذين يلون النبي ﷺ من أهل الكتابين فإنهم كانوا جيرانه في المدينة والنصارى كانت ديارهم نائية عنه ولهذا تجد خطاب اليهود والكلام معهم في القرآن الكريم أكثر من خطاب النصارى كما في سورة البقرة والمائدة وآل عمران وغيرها من السور.
السادس: أن اليهود أغلظ كفرا من النصارى ولهذا كان الغضب أخص بهم واللعنة والعقوبة فإن كفرهم عن عناد وبغي كما تقدم فالتحذير من سبيلهم والبعد منها أحق وأهم بالتقديم وليس عقوبة من جهل كعقوبة من علم.