الدعاء بالهداية إليه، والخبر عنه بذلك، والإقرار والتصديق لشأنه، والتوسل إلى المدعو إليه بهذا التصديق؛ وفيه فائدة خامسة وهي أن الداعي إنما أمر بذلك لحاجته إليه وأن سعادته وفلاحه لا تتم إلا به فهو مأمور بتدبر ما يطلب وتصور معناه فذكر له من أوصافه ما إذا تصور في خلده وقام بقلبه كان أشد طلباً له وأعظم رغبة فيه وأحرص على دوام الطلب والسؤال له فتأمل هذه النكت البديعة).
الفصل السادس عشر
في بيان الحكمة في التعبير بقوله تعالى (صراط الذين أنعمت عليهم) دون (صراط النبيين والصديقين والشهداء والصالحين)
بين ابن القيم في بدائع الفوائد (٢/٢٥٥-٢٥٦) وجه الحكمة في إضافة الصراط الموصول المبهم في قوله تعالى (الذين أنعمت عليهم) ولم يذكرهم بخصوصهم فيقول: صراط النبيين والصديقين؛ فعدل إلى لفظ المبهم دون المفسر؛ فقال:
(فيه ثلاث فوائد:
إحداها: إحضار العلم وإشعار الذهن عند سماع هذا فإن استحقاق كونهم من المنعم عليهم هو بهدايتهم إلى هذا الصراط، فبه صاروا من أهل النعمة؛ وهذا كما يعلق الحكم بالصلة دون الاسم الجامد، لما فيه من الإنعام باستحقاق ما علق عليها من الحكم بها، وهذا كقوله تعالى (الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سراً وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم) [البقرة ٢٧٤]؛ (والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون)؛ (إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم) [الأحقاف ١٣].
وهذا الباب مطرد فالإتيان بالاسم موصولاً [أدل] على هذا المعنى من ذكر الاسم الخاص.
الفائدة الثانية: إشارة إلى أن نفي [كذا] التقليد عن القلب واستشعار العلم بأن من هدى إلى هذا الصراط فقد أنعم عليه فالسائل مستشعر سؤاله الهداية وطلب الإنعام من الله عليه؛ والفرق بين هذا الوجه والذي قبله: أن الأول يتضمن الإخبار بأن أهل النعمة هم أهل الهداية إليه؛ والثاني يتضمن الطلب والإرادة وأن تكون منه.