(فلينزه الفطن بصيرته في هذه الرياض المونقة المعجبة التي ترقص القلوب لها فرحاً ويتغذى بها عن الطعام والشراب والحمد لله الفتاح العليم؛ فمثل هذا الفصل يعض عليه بالنواجذ وتثنى عليه الخناصر فإنه يشرف بك على أسرار عجائب تجتنيها من كلام الله والله الموفق للصواب).
المثال التاسع:
قال ابن القيم عقب ما تقدم:
(ومما يدخل في هذا الباب جمع الظلمات وإفراد النور وجمع سبل الباطل وإفراد سبل الحق وجمع الشمائل وإفراد اليمين.
(أما الأول فكقوله (الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور) [الأنعام ١].
وأما الثاني فكقوله (وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله) [الأنعام ١٥٣].
وأما الثالث فكقوله (يتفيأ ظلاله عن اليمين والشمائل) [النحل ٤٨].
والجواب عنها يخرج من مشكاة واحدة.
وسر ذلك والله أعلم أن طريق الحق واحد وهو على الواحد الأحد كما قال تعالى (هذا صراط علي مستقيم) [الحجر ٤١] قال مجاهد: الحق طريقه على الله ويرجع إليه كما يقال: طريقك علي؛ ونظيره قوله (وعلى الله قصد السبيل) [النحل ٩] في أصح القولين، أي السبيل: القصد الذي يوصل إلى الله وهي طريق عليه.
قال الشاعر:
فهن المنايا أي واد سلكنه عليها طريقي أو علي طريقها
وقد قررت هذا المعنى وبينت شواهده من القرآن وسر كون الصراط المستقيم على الله وكونه تعالى على الصراط المستقيم كما في قول هود (إن ربي على صراط مستقيم) [هود ٥٦] في كتاب التحفة المكية.
والمقصود أن طريق الحق واحد إذ مرده إلى الله الملك الحق وطرق الباطل متشعبة متعددة فإنها لا ترجع إلى شيء موجود ولا غاية لها يوصل إليها بل هي بمنزلة بنيات الطريق؛ وطريق الحق بمنزلة الطريق الموصل إلى المقصود فهي وإن تنوعت فأصلها طريق واحد.