ولما كانت الظلمة بمنزلة طرق الباطل والنور بمنزلة طريق الحق فقد أفرد النور وجمعت الظلمات؛ وعلى هذا جاء قوله (الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات) [البقرة ٢٥٧]، فوحد ولي الذين آمنوا وهو الله الواحد الأحد وجمع الذين كفروا لتعددهم وكثرتهم وجمع الظلمات وهي طرق الضلال والغي لكثرتها واختلافها ووحد النور وهو دينه الحق وطريقه المستقيم الذي لا طريق إليه سواه.
وقال العلامة أبو الحسن الندوي في (المدخل إلى الدراسات القرآنية) (ص٣١) في معرض كلامه على آيات إخراج المؤمنين من الظلمات إلى النور: (وهنا لا بد من لفتة ووقفة قصيرة عند التعبير القرآني المحكم البليغ الذي يذكر (النور) دائماً مفرداً واحداً، ويذكر الظلمة (الظلمات) جمعاً وتكثيراً، لأنه متى فقد الإنسان نور الوحي – الذي لا يتعدد أصله – تعددت عليه الظلمات وتنوعت وتداعت من كل صوب وحدب حتي لا يحصي لها عدداً، ويواجه على كل شِعْب من شعاب الحياة وكل درب من دروبها ظلاماً فوق ظلام.
ولو وضعنا (نور الدين القيم) في جانب ونحيناه عن حياتنا، فهل يبقى في هذه الدنيا الواسعة إلا ظلمات متراكمة وحجب من الظلام كثيفة؟ وهل يبقى غير التيه والضلال في طريق الوصول إلى الله؟ وغير الطقوس والتقاليد في الديانات؟ وغير الحمق والجهل والخرافة في الاعتقادات؟ وغير الأوهام والأحلام في التصورات؟ وغير القياس والرأي والظن والتخمين في العلوم والصناعات؟ وغير الجور والعسف في الاجتماع والمعاملات؟ وغير التجارب والاختبارات في القانون والسياسات؟ وغير البغي والسطو والطغيان في الدول والحكومات؟ هل يبقى غير ذلك؟ كلا، إنها: (ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها) [النور ٤٠].