(وأما المسألة الثانية، وهي تعريف الصراط باللام اعلم أن الألف واللام إذا دخلت على اسم موصوف اقتضت أنه أحق بتلك الصفة من غيره، ألا ترى أن قولك: جالس فقيهاً أو عالماً، ليس كقولك جالس الفقيه أو العالم ولا قولك أكلت طيباً كقولك أكلت الطيب؛ ألا ترى إلى قوله [صلى الله عليه وسلم] (أنت الحق ووعدك الحق وقولك الحق) ثم قال: (ولقاؤك الحق والجنة حق والنار حق)(١) فلم يدخل الألف واللام على الأسماء المحدثة وأدخلها على اسم الرب تعالى ووعده وكلامه.
فإذا عرفت هذا فلو قال: اهدنا صراطاً مستقيماً، لكان الداعي إنما يطلب الهداية إلى صراط ما مستقيم على الإطلاق، وليس المراد ذلك بل المراد الهداية إلى الصراط المعين الذي نصبه الله تعالى لأهل نعمته وجعله طريقاً إلى رضوانه وجنته وهو دينه الذي لا دين له سواه فالمطلوب أمر معين في الخارج والذهن، لا شيء مطلق منكر؛ واللام هنا للعهد العلمي الذهني، وهو أنه طلب الهداية إلى سر معهود قد قام في القلوب معرفته والتصديق به وتميزه عن سائر طرق الضلال فلم يكن بد من التعريف.
فإن قيل: لم جاء منكراً في قوله لنبيه (ويهديك صراطاً مستقيماً) [الفتح ٢] وقوله تعالى (وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم) [الشورى ٥٢] وقوله تعالى (واجتبيناهم وهديناهم إلى صراط مستقيم) [الأنعام ٨٧] وقوله تعالى (قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم) [الأنعام ١٦١]؟

(١) رواه البخاري ومسلم.


الصفحة التالية
Icon