فالجواب عن هذه المواضع بجواب واحد، وهو أنها ليست في مقام الدعاء والطلب، وإنما هي في مقام الإخبار من الله تعالى عن هدايته إلى صراط مستقيم وهداية رسوله إليه، ولم يكن للمخاطبين عهد به ولم يكن معروفاً لهم فلم يجيء معرفاً بلام العهد المشيرة إلى معروف في ذهن المخاطب قائم في خلده ولا تقدمه في اللفظ معهود تكون اللام معروفة إليه، وإنما تأتي لام العهد في أحد هذين الموضعين: أعني أن يكون لها معهود ذهني أو ذكر لفظي وإذ لا واحد منهما في هذه المواضع فالتنكير هو الأصل؛ وهذا بخلاف قوله (اهدنا الصراط المستقيم) فإنه لما تقرر عند المخاطبين أن لله صراطاً مستقيماً هدي إليه أنبياءه ورسله وكان المخاطب سبحانه المسئول منه هدايته عالماً به دخلت اللام عليه فقال: (اهدنا الصراط المستقيم) وقال السهيلي: إن قوله تعالى (ويهديك صراطا مستقيما) نزلت في صلح الحديبية وكان المسلمون قد كرهوا ذلك الصلح ورأوا أن الرأي خلافه وكان الله تعالى عما يقولون ورسوله أعلم فأنزل الله على رسوله هذه الآية فلم يرد صراطا مستقيما في الدين وإنما أراد صراطا في الرأي والحرب والمكيدة وقوله تبارك وتعالى وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم أي تهدي من الكفر والضلال إلى صراط مستقيم؛ ولو قال في هذا الموطن إلى الصراط المستقيم لجعل للكفر وللضلال حظاً من الاستقامة إذ الألف واللام تنبيء أن ما دخلت عليه من الأسماء الموصلة أحق بذلك المعنى مما تلاه في الذكر أو ما قرب به في الوهم ولا يكون أحق به إلا أن يكون في الآخر طرف منه.
وغير خاف ما في هذين الجوابين من الضعف والوهن.
أما قوله أن المراد بقوله ويهديك صراطاً مستقيماً في الحرب والمكيدة فهضم لهذا الفضل العظيم والحظ الجزيل الذي امتن الله به على رسوله [صلى الله عليه وسلم] وأخبر النبي أن هذه الآية أحب إليه من الدنيا وما فيها ومتى سمى الله الحرب والمكيدة صراطاً مستقيماً.