وهل فسر هذه الآية أحد من السلف أو الخلف بذلك بل الصراط المستقيم ما جعله الله عليه من الهدى ودين الحق الذي أمره أن يخبر بأن الله تعالى هداه إليه في قوله (قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم) ثم فسره بقوله تعالى (ديناً قيماً ملة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين) [الأنعام ١٦١] ونصب ديناً هنا على البدل من الجار والمجرور، أي هداني ديناً قيماً، أفَتراه يمكنه ههنا أن يقول: إن [المراد] الحرب والمكيدة؟! فهذا جواب فاسد جداً.
وتأمل ما جمع الله سبحانه لرسوله في آية الفتح من أنواع العطايا وذلك خمسة أشياء:
أحدها: الفتح المبين.
والثاني: مغفرة ما تقدم من ذنبه وما تأخر.
والثالث: هدايته الصراط المستقيم.
والرابع: إتمام نعمته عليه.
والخامس: إعطاء النصر العزيز.
وجمع سبحانه له بين الهدى والنصر لأن هذين الأصلين بهما كمال السعادة والفلاح فإن الهدى هو العلم بالله تعالى ودينه والعمل بمرضاته وطاعته فهو العلم النافع والعمل الصالح والنصر والقدرة التامة على تنفيذ دينه؛ فالحجة والبيان والسيف والسنان؛ فهو النصر بالحجة واليد وقهر القلوب المخالفين له بالحجة وقهر أبدانهم باليد.
وهو سبحانه كثيراً ما يجمع بين هذين الأصلين(١) إذ بهما تمام الدعوة وظهور دينه على الدين كله كقوله تعالى (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله) [التوبة ٣٣] في موضعين في سورة براءة وفي سورة الصف؛ وقال تعالى: (لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط) [الحديد ٢٥] فهذا الهدى ثم قال: (وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد) فهذا النصر فذكر الكتاب الهادي والحديد الناصر.