وقال تعالى: (ألم الله لا إله إلا هو الحي القيوم نزل عليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه وأنزل التوراة والإنجيل من قبل هدى للناس وأنزل الفرقان) [آل عمران ١-٤] فذكر إنزال الكتاب الهادي والفرقان وهو النصر الذي يفرق بين الحق والباطل.
وسر اقتران النصر بالهدى أن كلاً منهما يحصل به الفرقان بين الحق والباطل؛ ولهذا سمى تعالى ما ينصر به عباده المؤمنين فرقاناً كما قال تعالى: (إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يون التقى الجمعان) [الأنفال ٤١] فذكر الأصلين ما أنزله على رسوله يوم الفرقان وهو يوم بدر وهو اليوم الذي فرق الله تعالى فيه بين الحق والباطل بنصر رسوله ودينه وإذلال أعدائه وخزيهم.
ومن هذا قوله تعالى (ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان وضياء وذكراً للمتقين) [الأنبياء ٤٨] فالفرقان نصره له على فرعون وقومه، والضياء والذكر التوراة؛ هذا هو معنى الآية ولم يصب من قال: إن الواو زائدة وإن ضياء منصوب على الحال كما بينا فساده في (الأمالي المكية)؛ فبين أن آية الفتح تضمنت الأصلين الهدى والنصر وأنه لا يصح فيها غير ذلك البتة.
وأما جوابه الثاني عن قوله (وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم) بأنه لو عرف لجعل للكفر والضلال حظاً من الاستقامة فما أدري من أين جاء له هذا الفهم مع ذهنه الثاقب وفهمه البديع رحمه الله تعالى؟! وما هي إلا كبوة جواد ونبوة صارم، أفترى قوله تعالى (وآتيناهما الكتاب المستبين وهديناهما الصراط المستقيم) [الصافات ١١٧-١١٨] يفهم منه أن لغيره حظاً من الاستقامة وما ثم غيره إلا طرق الضلال؛ وإنما الصراط المستقيم واحد وهو ما هدى الله تعالى إليه أنبياءه ورسله أجمعين وهو الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم.