فالقائل إذا قال اهدنا الصراط المسقيم هو طالب من الله أن يعرفه إياه ويبينه له ويلهمه إياه ويقدره عليه فيجعل في قلبه علمه وإرادته والقدرة عليه فجرد الفعل من الحرف وأتى به مجرداً معدى بنفسه ليتضمن هذه المراتب كلها.
ولو عدي بحرف تعين معناه وتخصص بحسب معنى الحرف فتأمله فإنه من دقائق اللغة وأسرارها).
الفصل الثاني والعشرون
في معنى إعادة كلمة (إياك)
قال تعالى (إياك نعبد وإياك نستعين) ولم تكن الآية (إياك نعبد ونستعين) وهذه أخصر ولذلك معنى عظيم فإن في إعادة إياك مرة أخرى دلالة على تعلق هذه الأمور بكل واحد من الفعلين ففي إعادة الضمير من قوة الإقتضاء لذلك ما ليس في حذفه فإذا قلت لملك مثلاً: إياك أحب وإياك أخاف كان فيه من اختصاص الحب والخوف بذاته والإهتمام بذكره ما ليس في قولك إياك أحب وأخاف.
الفصل الثالث والعشرون
في بيان من هم الذين أنعم الله عليهم؟
فسر المنعم عليهم بأقوال أولاها: الأنبياء ومن ذكر معهم في قوله تعالى (وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً وَإِذاً لآتَيْنَاهُم مِّن لَّدُنَّا أَجْراً عَظِيمًا وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللّهِ وَكَفَى بِاللّهِ عَلِيمًا).
وقال ابن القيم في (بدائع الفوائد) (٢/٢٥٩-٢٦٠) بياناً لجواب سؤال مفاده: (إن قوله تعالى (الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم) يقتضي أن نعمته مختصة بالأولين دون المغضوب عليهم ولا الضالين؛ وهذا حجة لمن ذهب إلى أنه لا نعمة له على كافر فهل هذا استدلال صحيح أم لا؟):
(هذه مسألة اختلف الناس فيها وطال الحجاج من الطرفين وهي أنه هل لله على الكافر نعمة أم لا؟


الصفحة التالية
Icon