فمن ناف محتج بهذه وبقوله (ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً) [النساء ٦٩] فخص هؤلاء بالإنعام فدل على أن غيرهم غير منعم عليه؛ وبقوله لعباده المؤمنين (ولأتم نعمتي عليكم) [البقرة ١٥٠] وبأن الإنعام ينافي الانتقام والعقوبة، فأي نعمة على من خلق للعذاب الأبدي؟
ومن مثبت محتج بقوله (وإن تعدوا نعمت الله لا تحصوها) [إبراهيم ٣٤] وقوله لليهود (يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم) [البقرة ٤٠] وهذا خطاب لهم في حال كفرهم وبقوله في سورة النحل التي عدد فيها نعمه المشتركة على عباده من أولها إلى قوله (كذلك يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون فإن تولوا فإنما عليك البلاغ المبين يعرفون نعمت الله ثم ينكرونها وأكثرهم الكافرون) [النحل ٨١-٨٣]؛ وهذا نص صريح لا يحتمل صرفاً واحتجوا بأن البر والفاجر والمؤمن والكافر كلهم يعيش في نعمة الله، وكل أحد مقر لله تعالى بأنه إنما يعيش في نعمته؛ وهذا معلوم بالاضطرار عند جميع أصناف بني آدم إلا من كابر وجحد حق الله تعالى وكفر بنعمته.
وفصل الخطاب في المسألة: أن النعمة المطلقة مختصة بأهل الإيمان لا يشركهم فيها سواهم.
ومطلق النعمة عام للخليقة كلهم برهم وفاجرهم مؤمنهم وكافرهم.
فالنعمة المطلقة التامة هي المتصلة بسعادة الأبد وبالنعيم المقيم، فهذه غير مشتركة.
ومطلق النعمة عام مشترك.
فإذا أراد النافي سلب النعمة المطلقة [عن الكافر أصاب](١)؛ وإن أراد [المثبت] إثبات مطلق النعمة أصاب.
وبهذا تتفق الأدلة ويزول النزاع؛ ويتبين أن كل واحد من الفريقين معه خطأ وصواب؛ والله الموفق للصواب.