وأما قوله تعالى (يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم) فإنما يذكرهم بنعمته على آبائهم ولهذا يعددها واحدة واحدة بأن أنجاهم من آل فرعون وأن فرق بهم البحر وأن وعد موسى أربعين ليلة فضلوا بعده ثم تاب عليهم وعفا عنهم وبأن ظلل عليهم الغمام وأنزل عليهم المن والسلوى؛ إلى غير ذلك من نعمه التي يعددها عليهم.
وإنما كانت لأسلافهم وآبائهم فأمرهم أن يذكروها ليدْعوهم ذكرهم لها إلى طاعته والإيمان برسله والتحذير من عقوبته بما عاقب به من لم يؤمن برسوله ولم ينقد لدينه وطاعته وكانت نعمته على آبائهم نعمة منه عليهم تستدعي منهم شكراً فكيف تجعلون مكان الشكر عليها كفركم برسولي وتكذيبكم له ومعاداتكم إياه؛ وهذا لا يدل على أن نعمته المطلقة التامة حاصلة لهم في حال كفرهم والله أعلم).
الفصل الرابع والعشرون
في بيان بعض فوائد ذكر المنعم عليهم
لما كان طالب الصراط المستقيم طالب أمر أكثر الناس ناكبون عنه، مريداً لسلوك طريق مرافقه فيها في غاية العزة والنفوس مجبولة على وحشة التفرق وعلة الأنس بالرفيق نبه الله سبحانه على الرفيق في هذه الطريق وأنهم الذين أنعم الله عليهم---) ليعلم الطالب للهداية وسلوك الصراط أن رفيقه فيه أولئك الناس فلا يكترث بمخالفة الناكبين عنه فإنهم هم الأقلون قدراً وإن كانوا الأكثرين عدداً.
وهذه إحدى الفوائد في دعاء القنوت (اللهم اهدني فيمن هديت) أي أدخلني في هذه الزمرة واجعلني رفيقاً لهم ومعهم.