لما كان طالب الصراط المستقيم طالب أمر أكثر الناس ناكبون عنه مريداً لسلوك طريق مرافقه فيها في غاية القلة والعزة والنفوس مجبولة على وحشة التفرد وعلى الأنس بالرفيق نبه الله سبحانه على الرفيق في هذه الطريق وأنهم هم الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا فأضاف الصراط إلى الرفيق السالكين له وهم الذين أنهم الله عليهم ليزول عن الطالب للهداية وسلوك الصراط وحشة تفرده عن أهل زمانه وبنى جنسه وليعلم أن رفيقه في هذا الصراط هم الذين أنعم الله عليهم فلا يكترث بمخالفة الناكبين عنه له فإنهم هم الأقلون قدراً وإن كانوا الأكثرين عدداً كما قال بعض السلف عليك بطريق الحق ولا تستوحش لقلة السالكين وإياك وطريق الباطل ولا تغتر بكثرة الهالكين وكلما استوحشت في تفردك فانظر إلى الرفيق السابق واحرص على اللحاق بهم وغض الطرف عمن سواهم فإنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا وإذا صاحوا بك في طريق سيرك فلا تلتفت إليهم فإنك متى التفت إليهم أخذوك وعاقوك؛ قال ابن القيم:
(وقد ضربت لذلك مثلين فليكونا منك على بال:
المثل الأول رجل خرج من بيته إلى الصلاة لا يريد غيرها فعرض له في طريقه شيطان من شياطين الإنس فألقى عليه كلاما يؤذيه فوقف ورد عليه وتماسكا فربما كان شيطان الإنس أقوى منه فقهره ومنعه عن الوصول إلى المسجد حتى فاتته الصلاة وربما كان الرجل أقوى من شيطان الإنس ولكن اشتغل بمهاوشته عن الصف الأول وكمال إدراك الجماعة فإن التفت إليه أطمعه في نفسه وربما فترت عزيمته فإن كان له معرفة وعلم زاد في السعي والجمز بقدر التفاته أو أكثر فإن أعرض عنه واشتغل بما هو بصدده وخاف فوت الصلاة أو الوقت لم يبلغ عدوه منه ما شاء.
المثل الثاني: الظبي أشد سعياً من الكلب ولكنه إذا أحس به التفت إليه فيضعف سعيه فيدركه الكلب فيأخذه.


الصفحة التالية
Icon