المغضوب عليهم اليهود لأنهم كفروا عن علم وعناد؛ والنصارى ضالون أي كفروا جهلاً؛ قال ابن القيم في بدائع الفوائد (٢/٢٦٥-٢٦٩) في بيان وجه التقسيم والاختصاص الوارد في الحديث الذي رواه الترمذي والإمام أحمد وابن أبي حاتم في تفسير المغضوب عليهم بأنهم اليهود والنصارى بأنهم الضالون؛ وكل من الطائفتين ضال مغضوب عليه؟! فإن وصفي الغصب والضلال متلازمان؟
(الجواب أن يقال: هذا ليس بتخصيص يقتضي نفي كل صفة عن أصحاب الصفة الأخرى فإن كل مغضوب عليه ضال، وكل ضال مغضوب عليه، لكن ذكر كل طائفة بأشهر وصفيها وأحقها به وألصقه بها، وأن ذلك هو الوصف الغالب عليها؛ وهذا مطابق لوصف الله اليهود بالغضب في القرآن والنصارى بالضلال؛ فهو تفسير للآية بالصفة التي وصفهم بها في ذلك الموضع.
أما اليهود فقال تعالى في حقهم: (بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل الله بغياً أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده فباءوا بغضب على غضب وللكافرين عذاب مهين) [البقرة ٩٠].
وفي تكرار هذا الغضب هنا أقوال:
أحدها: أنه غضب متكرر في مقابلة تكرر كفرهم برسول الله ﷺ والبغي عليه ومحاربته فاستحقوا بكفرهم غضباً وبالبغي والصد عنه غضباً آخر.
ونظيره قوله تعالى (الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذاباً فوق العذاب) فالعذاب الأول بكفرهم والعذاب الذي زادهم إياه بصدهم الناس عن سبيله.
القول الثاني: أن الغضب الأول بتحريفهم وتبديلهم وقتلهم الأنبياء؛ والغضب الثاني بكفرهم بالمسيح.
القول الثالث: أن الغضب الأول بكفرهم بالمسيح، والغضب الثاني بكفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم.


الصفحة التالية
Icon