والصحيح في الآية أن التكرار هنا ليس المراد به التثنية التي تشفع الواحد بل المراد غضب بعد غضب بحسب تكرر كفرهم وإفسادهم وقتلهم الأنبياء وكفرهم بالمسيح وبمحمد ومعاداتهم لرسل الله إلى غير ذلك من الأعمال التي كل عمل منها يقتضي غضباً على حدته؛ وهذا كما في قوله (فارجع البصر هل ترى من فطور ثم ارجع البصر كرتين) [الملك ٣-٤] أي كرة بعد كرة لا مرتين فقط.
وقصد التعدد في قوله (فباءوا بغضب على غضب) أظهر، ولا ريب أن تعطيلهم ما عطلوه من شرائع التوراة وتحريفهم وتبديلهم يستدعي غضباً وتكذيبهم الأنبياء يستدعي غضباً آخر، وقتلهم إياهم يستدعي غضباً آخر، وتكذبيهم المسيح وطلبهم قتله ورميهم أمه بالبهتان العظيم يستدعي غضباً وتكذبيهم النبي ﷺ يستدعي غضباً؛ ومحاربتهم له وأذاهم لأتباعه يقتضي غضباً؛ وصدهم من أراد الدخول في دينه عنه يقتضي غضباً فهم الأمة الغضبية أعاذنا الله من غضبه فهي الأمة التي باءت بغضب الله المضاعف المتكرر وكانوا أحق بهذا الاسم والوصف من النصارى.
وقال تعالى في شأنهم: (قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت) [المائدة ٦٠] فهذا غضب مشفوع باللعنة والمسخ؛ وهو أشد ما يكون من الغضب؛ وقال تعالى: (لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون ترى كثيراً منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون) [المائدة ٧٨-٨٠].