وأما وصف النصارى بالضلال ففي قوله تعالى (قل يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيراً وضلوا عن سواء السبيل) [المائدة ٧٧] فهذا خطاب للنصارى لأنه في سياق خطابه معهم بقوله (لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح بن مريم وقال المسيح يا بني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم) إلى قوله (وضلوا عن سواء السبيل) [المائدة ٧٢-٧٧] فوصفهم بأنهم قد ضلوا أولاً ثم أضلوا كثيراً وهم أتباعهم فهذا قبل مبعث النبي محمد ﷺ حيث ضلوا في أمر المسيح وأضلوا أتباعهم فلما بعث النبي ازدادوا ضلالا آخر بتكذيبهم له وكفرهم به فتضاعف الضلال في حقهم؛ هذا قول طائفة منهم الزمخشري وغيره وهو ضعيف؛ فإن هذا كله وصف لأسلافهم الذين هم لهم تبع فوصفهم بثلاث صفات:
إحداها: أنهم قد ضلوا من قبلهم.
والثانية: أضلوا أتباعهم.
والثالثة: أنهم ضلوا عن سواء السبيل.
فهذه صفات لأسلافهم الذين نهي هؤلاء عن اتباع أهوائهم؛ فلا يصح أن يكون وصفاً للموجودين في زمن النبي ﷺ لأنهم هم المنهيون أنفسهم لا المنهي عنهم؛ فتأمله.
وإنما سر الآية أنها اقتضت تكرار الضلال في النصارى ضلالاً بعد ضلال لفرط جهلهم بالحق وهي نظير الآية التي تقدمت في تكرار الغضب في حق اليهود ولهذا كان النصارى أخص بالضلال من اليهود ووجه تكرار هذا الضلال أن الضلال قد أخطأ نفس مقصوده فيكون ضالاً فيه فيقصد ما لا ينبغي أن يقصده ويعبد من لا ينبغي أن يعبده وقد يصيب مقصوداً حقاً لكن يضل في طريق طلبة والسبيل الموصلة إليه.
فالأول ضلال في الغاية.
والثاني ضلال في الوسيلة.
ثم إذا دعا غيره إلى ذلك فقد أضله.


الصفحة التالية
Icon