وأسلاف النصارى اجتمعت لهم الأنواع الثلاثة فضلوا عن مقصودهم حيث لم يصيبوه وزعموا أن إلههم بشر يأكل ويشرب ويبكي وأنه قتل وصلب وصفع فهذا ضلال في نفس المقصود حيث لم يظفروا به وضلوا عن السبيل الموصلة إليه فلا اهتدوا إلى المطلوب ولا إلى الطريق الموصل إليه ودعوا أتباعهم إلى ذلك فضلوا عن الحق وعن طريقه وأضلوا كثيراً فكانوا أدخل في الضلال من اليهود فوصفوا بأخص الوصفين.
والذي يحقق ذلك أن اليهود إنما أتوا من فساد الإرادة والحسد وإيثار ما كان لهم على قومهم من السحت والرياسة فخافوا أن يذهب بالإسلام [لعلها به الإسلام] فلم يؤتوا من عدم العلم بالحق، فإنهم كانوا يعرفون أن محمداً رسول الله كما يعرفون أبناءهم ولهذا لم يوبخهم الله تعالى ويقرعهم إلا بإراداتهم الفاسدة من الكبر والحسد وإيثار السحت والبغي وقتل الأنبياء؛ ووبخ النصارى بالضلال والجهل الذي هو عدم العلم بالحق.
فالشقاء والكفر ينشأ من عدم معرفة الحق تارة؛ ومن عدم إرادته والعمل بها أخرى يتركب منها.
فكفر اليهود نشأ من عدم إرادة الحق والعمل به وإيثار غير عليه بعد معرفته فلم يكن ضلالاً محضاً؛ وكفر النصارى نشأ من جهلهم بالحق وضلالهم فيه فإذا تبين لهم وآثروا الباطل عليه أشبهوا الأمة الغضبية وبقوا مغضوباً عليهم ضالين.
ثم لما كان الهدى والفلاح والسعادة لا سبيل إلى نيله إلا بمعرفة الحق وإيثاره على غيره، وكان الجهل يمنع العبد من معرفته بالحق والبغي يمنعه من إرادته: كان العبد أحوج شيء إلى أن يسأل الله تعالى كل وقت أن يهديه الصراط المستقيم تعريفاً وبياناً وإرشاداً وإلهاماً وتوفيقاً وإعانة؛ فيعلمه ويعرفه ثم يجعله مريداً له قاصداً لاتباعه فيخرج بذلك عن طريقة المغضوب عليهم الذين عدلوا عنه على عمد وعلم والضالين الذين عدلوا عنه عن جهل وضلال.