ونظير هذا دعاء النبي الذي كان يدعو به إذا قام يصلي من الليل رواه البخاري في صحيحه من حديث ابن عباس اللهم لك الحمد أنت نور السموات والأرض ومن فيهن ولك الحمد أنت قيوم السموات والأرض ومن فيهن ولك الحمد أنت الحق ووعدك الحق ولقاؤك حق والجنة حق والنار حق والنبيون حق والساعة حق ومحمد حق اللهم لك أسلمت وبك آمنت وعليك توكلت وإليك أنبت وبك خاصمت وإليك حاكمت فاغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت أنت إلهي لا إله إلا أنت فذكر التوسل إليه بحمده والثناء عليه وبعبوديته له ثم سأله المغفرة.
طلب الهداية ثم طلب الدرجات العالية منها ولكن بأدب وبطريقة الاجمال ومن غير اعتداء في الدعاء فلم يقل مثلاً: اهدنا كهداية النبيين.
لم يطلبوا النعمة ابتداء وإنما طلبوا الاستقامة، ولكنهم عرضوا بالنعمة تعريضاً، فلم يقولوا أنعم علينا ولا قالوا: صراط الذين هديتهم، وفيه أيضاً إشارة إلى أن الهداية من الإنعام بل هي أكبره بل لا يكاد غيرها يذكر معها وهذا من أكمل الأدب ومن أدلة المعرفة العالية بالله تبارك وتعالى.
الفصل الحادي والثلاثون
هل سؤال الهداية من باب تحصيل الحاصل؟
دعاء المسلم في الفاتحة بقوله (اهدنا) ليس تحصيل حاصل؛ وأيضاً ليس معناها أن المرء لا يدري هل هو مهتد أو لا؟ ولكن هو طلب استمرار الهداية الحاصلة كالتوحيد وسؤال الهداية عند كل مسألة تحدث صغيرة أو كبيرة متعلقة باللسان أو بالقلب أو بالجوارح؛ وقد يشعر هذا أن الأصل السائر في الناس الضلال واشتباه الطرق عليهم في كل مسألة؛ ولهذا يسأل المرء ربه الهداية؛ ثم إن كل هداية فثم هداية أقوم منها وأكمل؛ ولا ينافي ما تقدم أن الأصل الأول في الناس الفطرة.