كل مؤمن مأمور بهذا الدعاء أمراً لازماً لا يقوم غيره مقامه ولا بد منه؛ وهذا إنما نسأله في الصلاة بعد هدايته فما وجه السؤال لأمر حاصل وكيف يطلب تحصيل الحاصل؟ أي كيف يطلب التعريف والبيان وهو حاصل له وكذلك الإلهام والتوفيق؟
أجاب ابن القيم على هذا السؤال في (بدائع الفوائد ٢/٢٧٤-٢٧٥) فقال:
(قلنا لقد أجيب عنها بأن المراد التثبيت ودوام الهداية واعلم أن العبد لا يحصل له الهدى التام المطلوب إلا بعد سبعة أمور هو محتاج إليها حاجة لا غنى له عنها.
الأمر الأول: معرفته في جميع ما يأتيه ويذره بكونه محبوبا للرب تعالى مرضيا له فيؤثره وكونه مغضوبا له مسخوطا عليه فيجتنبه فإن نقص من هذا العلم والمعرفة شيء نقص من الهداية التامة بحسبه.
الأمر الثاني: أن يكون مريد الجميع ما يحب الله منه أن يفعله عازما عليه ومريدا لترك جميع ما نهى الله عازما على تركه بعد خطوره بالبال مفصلا وعازما على تركه من حيث الجملة مجملا فإن نقص من إرادته لذلك شيء نقص من الهدى التام بحسب ما نقص من الإرادة.
الأمر الثالث: أن يكون قائما به فعلا وتركا فإن نقص من فعله شيء نقص من هداه بحسبه.
فهذه ثلاثة هي أصول في الهداية ويتبعها ثلاثة هي من تمامها وكمالها:
أحدها: أمور هدي إليها جملة ولم يهتد إلى تفاصيلها فهو محتاج إلى هداية التفصيل فيها.
الثاني: أمرو هدي إليها من وجه دون وجه فهو محتاج إلى تمام الهداية فيها لتكمل له هدايتها.
الثالث: الأمور التي هدي إليها تفصيلاً من جميع وجوهها فهو محتاج إلى الاستمرار إلى [لعلها على] الهداية والدوام عليها فهذه أصول تتعلق بما يعزم على فعله وتركه.