الوجه الثالث: أن في حذف فاعل الغضب من الإشعار بإهانة المغضوب عليه وتحقيره وتصغير شأنه ما ليس في ذكر[ه، وفي ذكر] فاعل النعمة من إكرام المنعم عليه والإشادة بذكره ورفع قدره ما ليس في حذفه؛ فإذا رأيت من قد أكرمه ملك وشرفه ورفع قدره فقلت: هذا الذي أكرمه السلطان وخلع عليه وأعطاه ما تمناه كان أبلغ في الثناء والتعظيم من قولك هذا الذي أكرم وخلع عليه وشرف وأعطي.
نسب الإنعام إلى الله وبنى الغضب لما لم يسم فاعله لأربعة أمور:
الأول: أن الخير ينسب إلى الله والشر لا ينسب إليه تأدباً؛ والشر في مفعولات الله لا في أفعاله؛ بل هذه كلها حق وحكمة؛ وفي الحديث (لبيك وسعديك والخير كله بيديك والشر ليس إليك).
إن الله تبارك وتعالى أقواله كلها صدق ورشد وهدى وعدل وحكمة (وتمت كلمة ربك صدقاً وعدلاً) [٦/١١٥]، وأفعاله كلها مصالح وحكم ورحمة وعدل وخير فالشر لا يدخل في أفعاله ولا أقواله ألبتة لخروج الشر عن الصراط المستقيم فكيف يدخل في أفعال من هو على الصراط المستقيم أو أقواله وإنما يدخل في أفعال من خرج عنه وفي أقواله.