وفي دعائه عليه الصلاة والسلام (لبيك وسعديك والخير كله بيديك والشر ليس إليك)؛ ولا يلتفت إلى تفسير من فسره بقوله والشر لا يتقرب به إليك أو لا يصعد إليك؛ فإن المعنى أجل من ذلك وأكبر وأعظم قدراً، فإن من أسماؤه كلها حسنى وأوصافه كلها كمال وأفعاله كلها حكم وأقواله كلها صدق وعدل يستحيل دخول الشر في أسمائه أو أوصافه أو أفعاله أو أقواله؛ فطابق بين هذا المعنى وبين قوله (إن ربي على صراط مستقيم)؛ وتأمل كيف ذكر هذا عقيب قوله (إني توكلت على الله ربي وربكم) [١١/٥٦]؛ أي هو ربي فلا يسلمني ولا يضيعني وهو ربكم فلا يسلطكم علي ولا يمكنكم مني؛ فإن نواصيكم بيده لا تفعلون شيئاً بدون مشيئته فإن ناصية كل دابة بيده لا يمكنها أن تتحرك إلا بإذنه فهو المتصرف فيها ومع هذا فهو في تصرفه فيها وتحريكه لها ونفوذ قضائه وقدره فيها على صراط مستقيم لا يفعل ما يفعل من ذلك إلا بحكمة وعدل ومصلحة ولو سلطكم علي فله من الحكمة في ذلك ماله الحمد عليه لأنه تسليط من هو على صراط مستقيم لا يظلم ولا يفعل شيئا عبثا بغير حكمة.
فهكذا تكون المعرفة بالله لا معرفة القدرية المجوسية والقدرية الجبرية نفاة الحكم والمصالح والتعليل والله الموفق سبحانه.
الثاني: أن الإنعام من الله وحده بخلاف الغضب؛ فذكر فاعل النعمة وحذف فاعل الغضب لأن المنعم هو الله وحده فأضيف إليه ما هو متفرد به، وإن أضيف إلى غيره فلكونه طريقاً ومجرى للنعمة؛ وأما الغضب على أعدائه فلا يختص به تعالى؛ فإن ملائكته ورسله وأولياؤه يغضبون لغضبه؛ وحتى بعض مخلوقاته غير المكلفة قد تغضب عليهم أحياناً إذ قد يجعل الله لها فهماً كما في حديث قول الحجر للمسلم يا مسلم ورائي يهودي فاقتله؛ وكذلك النار في الآخرة.