الفائدة الثالثة: أن النعمة بالهداية إلى الصراط لله وحده وهو المنعم بالهداية دون أن يشرك أحد في نعمته فاقتضى اختصاصه بها أن يضاف إليه بوصف الإفراد فيقال: (أنعمت عليهم) أي أنت وحدك المنعم المحسن المتفضل بهذه النعمة؛ وأما الغضب فإن الله سبحانه غضب على من لم يكن من أهل الهداية إلى هذا الصراط وأمر عباده المؤمنين بمعاداتهم وذلك يستلزم غضبهم عليهم موافقة لغضب ربهم عليهم فموافقته تعالى تقتضي أن يغضب على من غضب عليه ويرضى عمن رضي عنه فيغضب لغضبه ويرضى لرضاه وهذا حقيقة العبودية واليهود قد غضب الله عليهم فحقيق بالمؤمنين الغضب عليهم، فحذف فاعل الغضب وقال (المغضوب عليهم) لما كان للمؤمنين نصيب من غضب الله عليهم، بخلاف الإنعام فإنه لله وحده؛ فتأمل هذه النكت البديعة.
الفائدة الرابعة: أن المغضوب عليهم في مقام الإعراض عنهم وترك الالتفات [إليهم]، والإشارة إلى نفس الصفة التي لهم والاقتصار عليها، وأما أهل النعمة فهم في مقام الإشارة إليهم وتعيينهم والإشادة بذكرهم؛ وإذا ثبت هذا فالألف واللام في المغضوب وإن كانتا بمعنى الذين فليست مثل الذين في التصريح والإشارة إلى تعيين ذات المسمى فإن قولك الذين فعلوا معناه القوم الذين فعلوا وقولك الضاربون والمضروبون ليس فيه ما في قولك الذين ضربوا أو ضُربوا؛ فتأمل ذلك.
فالذين أنعمت عليهم إشارة إلى تعريفهم بأعيانهم وقصد ذواتهم بخلاف المغضوب عليهم فالمقصود التحذير من صفتهم والإعراض عنهم وعدم الالتفات إليهم والمعول عليه من الأجوبة ما تقدم.
الفصل السادس والثلاثون
الفرق بين أسلوب طلب الهداية وأسلوب الاستعاذة من طريقة مخالفيها
كانت صلة (الذين) فعلاً ماضياً (أنعمت) لأن المقصود طلب الهداية إلى صراط من ثبت إنعام الله عليهم، وفيه أيضاً فضل الأوائل؛ وصلة أل اسماً ليشمل سائر الأزمان.
الإنعام واحد فكان فعله ماضياً، والغضب أنواع قد يتجدد غيرها.