(الذين أنعمت) أبلغ من (المنعم عليهم) من جهة ذكر لفظة (الذين) الدالة على الذات، فذكره محبوب لأنفس المؤمنين ومصاحبة ذاتهم مطلوبة.
الفصل السابع والثلاثون
في بيان ما وقع في نظم الفاتحة من الاحتباك
ذكر تعالى من كل فرقة حالها وسبب تلك الحال ونهايتها؛ ولكن صرح في كل فرقة بأولى خصائصها؛ فصرح في حق المنعم عليهم بذكر حالهم وهو الهداية والاستقامة، وذكر من المغضوب عليهم مآلهم وهو الغضب ولوازمه، وذكر من الضالين سبب إنحرافهم وهو ضلالهم؛ وهي ثلاثة مقامات متتالية ففي السياق احتباك.
وتأمل أيضاً سراً بديعاً في ذكر السبب والجزاء للطوائف الثلاثة بأوجز لفظ وأخصره فإن الإنعام عليهم يتضمن إنعامه بالهداية التي هي العلم النافع والعمل الصالح وهي الهدى ودين الحق ويتضمن كمال الإنعام بحسن الثواب والجزاء فهذا تمام النعمة ولفظ (أنعمت عليهم) يتضمن الأمرين.
وذكر غضبه على المغضوب عليهم يتضمن أيضاً أمرين الجزاء بالغضب الذي موجبه غاية العذاب والهوان والسبب الذي استحقوا به غضبه سبحانه فإنه أرحم وأرأف من أن يغضب بلا جناية منهم ولا ضلال فكأن الغضب عليهم مستلزم لضلالهم وذكر الضالين مستلزم لغضبه عليهم وعقابه لهم فإن من ضل استحق العقوبة التي هي موجب ضلاله وغضب الله عليه.
فاستلزم وصف كل واحد من الطوائف الثلاث للسبب والجزاء أبين استلزام واقتضاه أكمل اقتضاء في غاية الإيجاز والبيان والفصاحة مع ذكر الفاعل في أهل السعادة وحذفة في أهل الغضب وإسناد الفعل إلى السبب في أهل الضلال.


الصفحة التالية
Icon